د.عبدالله مناع
إلى جانب الخلافات العربية / العربية، التي تكاد لا تخلو منها قمة من القمم.. كانت القمم العربية تعاني - على الدوام - من حالة «تضخم» فى جداول أعمالها.. التي كانت تنوء -فى معظم دوراتها- بما يزيد عن العشرة والخمسة عشر بنداً.. لـ(دراستها) من قبل القادة العرب فى (قممهم) واتخاذ الـ(قرارات) بشأنها.. وذلك نظراً لاختلافات وزراء الخارجية العرب، الذين يعقدون اجتماعاتهم هذه قبل يوم أو يومين من لقاء القمة.. لـ(الاتفاق) على جدول الأعمال الذى سيرفعونه لـ(القادة) لدراسته، والذى عادة ما يختلفون حوله بسبب (يمنية) بعض وزراء الخارجية.. و(يسارية) البعض الآخر، فإذا اشتد الخلاف بينهم.. اتفقوا على رفع (كل) البنود المختلف عليها بينهم.. إلى اجتماع (القمة).. حيث تجد (القمة) نفسها.. أمام عشرة أو خمسة عشر بنداً أو أكثر من البنود لدراستها واتخاذ قرارات بشأنها فى (يوم واحد)!! أو فى جلستين من جلسات القمة على الأكثر.. إحداهما: مسائية.. والأخرى صباحية، ليودع (القادة) بعدها مقر الاجتماع.. ويطيرون عائدين إلى (بلدانهم)..؟!
* * *
وأحسب أن أحد أسباب نجاح: (قمة القدس) فى الظهران.. أو القمة العربية التاسعة والعشرين.. إلى جانب حكمة خادم الحرمين الشريفين: الملك سلمان بن عبدالعزيز فى إدارتها: اختصار (جدول أعمال) القمة، والتركيز فيه على عدد محدود من المواضيع.. لا يزيد عن خمس.. مما جعل بنود جدول أعمال هذا القمة لا يزيد عنها، إلى جانب غياب رئيسين عربيين من رؤساء الدول العربية هما: أمير قطر.. الشيخ تميم بن حمد آل ثاني وأناب مندوباً عنه لتمثيل قطر.. بحجة عدم وجود ملف (الأزمة الخليجية) بين (قطر) والدول العربية الاربعة: المملكة والبحرين والإمارات ومصر.. التي اشتعلت بينهم فى الخامس من يونية من عام 2017م.. ضمن جدول أعمال القمة، و(ثانيهما) الرئيس السورى بشار الأسد.. بسبب (تجميد) عضويته من قبل مجلس وزراء الجامعة العربية.. فى السادس عشر من شهر نوفمبر من عام 2011م..!! وقد كان حضور أحدهما- أو كليهما- سيسبب القليل أو الكثير من الجدل وربما الانقسامات داخل جلسات القمة، والكثير من اللغط.. خارجها، فكان غيابهما.. سبباً إضافياً من أسباب نجاح هذه القمة..؟!
وقد تضمن جدول أعمال هذه (القمة).. خمسة مواضيع رئيسية، كان أولها: (الأمن القومى العربى).. المهدد فى وجوده.. نظراً لـ(الأطماع) الإقليمية التي أخذت تستهدف أراضى الدول العربية!؟ وكان ثانيها: تقديم الدعم لـ (القضية الفلسطينية).. باعتبارها قضية العرب المركزية الأولى، والتى أخذت تحاك حولها مؤامرات جديدة لـ (تصفيتها) وإنهائها.. بما يسمى بـ(صفقة القرن) الأمريكية، وهى صفقة.. شديدة الخطورة والغموض.. وهى فيما يلوح من بنات أفكار فريق الرئيس «دونالد ترامب»، و(ثالثها): الأزمة اليمنية.. والتأكيد على الحل السياسى لها.. المرتكز على المرجعيات الثلاث: المبادرة الخليجية، ومخرجات الحوار الوطنى اليمنى الشامل، وقرار مجلس الأمن (2216)، وكان (رابعها): الأزمة (الليبية).. وحلها بدعم (مؤسسات الدولة الشرعية)، وإنفاذ اتفاق (الصخيرات)، وكان (خامس) بنود جدول الأعمال.. هو: (الإرهاب وإيران).. بـ(التنديد) الشديد.. بالأعمال الإرهابية التي تقودها أو ترعاها إيران فى المنطقة العربية، وقد دعت مداولات القادة العرب إلى (موقف أممى) حازم ضد سلوك إيران فى المنطقة..!؟
* * *
وليس من شك أن حضور ستة عشر ملكاً ورئيساً للجمهورية للمشاركة فى أعمال هذه القمة.. أعطى قيمة إضافية لنجاحها، الذى عززه خادم الحرمين الشريفين -من قبل- بـإطلاق اسم (القدس) على أعمال هذه القمة.. خلال الكلمة التي رد بها على الملك عبدالله بن الحسين.. ملك الاردن ورئيس القمة العربية الثامنة والعشرين السابقة، وهو يقوم بتسليمه ادارة اعمال هذه القمة التاسعة والعشرين.. و -من بعد- بإعلان خادم الحرمين الشريفين بـ (تبرع) المملكة بمئتي مليون دولار للفلسطينين: مائة وخمسون مليون دولار منها.. للاوقاف (الفلسطينية) وصمودها، وخمسون مليون منها لمنظمة (الاونروا) لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين وتدريبهم.. ما جعل أمير الكويت الشيخ صباح الاحمد الجابر الصباح يعلق على القمة وأعمالها وإدارتها.. قائلاً بأعلى درجات الاستبشار.. بـ(إنها بادرة انفراج.. للخروج من اليأس)، الذى كان قد حط فعلاً على القمة بكل ثقله فى ذلك الصباح!؟ ليعقب الرئيس الفلسطينى محمود عباس.. مذكراً (القمة) بمطالبته مجلس الأمن الدولى فى فبراير الماضى.. بـ (الدعوة) لـ(مؤتمر دولي للسلام) هذا العام.. ليتم الإعلان فيه عن قبول (دولة فلسطين) المستقلة كـ (عضو) كامل العضوية بـ (الأمم المتحدة).. وهو يخاطب (الحمساويين) فى (غزة) قائلاً: (لن نتخلى عن غزة).. ولكن على (غزة) أن لا تتخلى عن نفسها!! وتنساق وراء (حماس) وعنادها فى إنفاذ المصالحه الوطنية (الفلسطينية).. الذى يتم الاتفاق عليها داخل الغرف.. ويتم رفضها خارج الغرف!!
* * *
إن نجاح هذه القمة.. بتغلبها على ظروف انعقادها، وبخروجها بهذه النتائج الايجابية الباهرة، والتى يتصدرها دعم خادم الحرمين الشريفين.. يؤهلها لأن تكون احدى القمم العربية القليلة الناجحة.. كـ(القمة الرابعة) التي عقدت فى الخرطوم فى شهر اغسطس من عام 1967م.. بعد شهرين من نكسة يونيه عام 1967م، والتى تمكنت بقرارتها.. من إعادة بناء القوات المسلحة العربية فى كل من مصر والاردن.. ليتحقق على يدها -بعد ست سنوات- نصر اكتوبر 1973 المجيد، أو القمة العربية الثانية التي عقدت عام 1976 بالقاهرة لإعمار (لبنان) بعد الحرب الاهلية، أو كالقمة العربية (السابعة) التي عقدت فى العاصمة المغربية (الرباط) عام 1974م.. وأعطت فيه الشرعية لـ(منظمة التحرير الفلسطينية) لتكون الممثل والمتحدث الرسمى الوحيد باسم الشعب الفلسطينيى، أو القمة العربية الرابعة عشرة التي عقدت فى شهر مارس من عام 2002م فى العاصمة اللبنانية (بيروت).. وتم خلالها تبني مبادرة الملك عبدالله بن عبدالعزيز لـ(السلام) طيب الله ثراه.. لتكون مبادرة السلام العربية بالإجماع.
لقد شكلت.. تلك القمم نقاط تحول كبرى فى حياة الامة العربية.. واقامت جسوراً تخطت بها أحد أزماتها، وأحسب أن (قمة القدس) فى (الظهران).. لا تقل بـ(إنجازاتها) عن تلك القمم الرائدة فى حياة الأمة العربية.
إذ يكفيها.. كما قال السفير الفسطينى لدى المملكة: (بسام الاغا).. إنها وجهت أول صفعة لما يسمى بـ(صفقة القرن)، ومروجيها الذين كانوا يرددون بانها ازاحت (القدس) واللاجئين عن (الطاولة).. لتأتى (قمة القدس) ودعمها ليعيدوها إلى (الطاولة) ثانية..!!