د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
نعلم أن التعليم هو أقوى الأذرع للتأثير والإقناع في واقع الناس، ومن هذا المنطلق فإن بلادنا توجهت بقوة إلى تجديد المدرسة السعودية، وبناء الدولة الحضارية والاتجاه للمستقبل المختلف الذي لن يصنعه إلا مخرجات تعليمية نوعية، ومن المسلّمات أن التخطيط للتعليم من أكثر الموضوعات حاجة للواقعية حتى في السياسات التنظيمية المرتبطة بوقت التدريس، ومتطلبات الإنجاز التعليمي؛ وعلاقة ذلك كله بالبيئات المكانية والمناخية، فآلة التعليم يجب أن تجتمع أذرعها لتحقيق توقير المقعد الدراسي؛ وأمام وزارة التعليم فرصا للتحول إلى مرحلة ذهبية تؤسس لدوافع المحبة بين المدارس ومنسوبيها.
كمنصة عليا لتأصيل اليقين المدرسي واحترام وجوده فليتها تصلها !! فكما تتحدث بعض سياقات المناهج التعليمية عن مقامات البطولة الصحراوية ومقوماتها وقصص الصحراء كغرس ذهني أصيل فلا مبرر للهروب من المدارس لقدوم غبارنا الصحراوي حين تذروه الرياح !كما هو في نصوص التنظيمات التي تبثها قرارات تعليق الدراسة التي «تعدّدتْ والغبار واحدُ» حيث توسم به كثير من بيئاتنا منذ الأزل فتقلبات الطقس ولّدتْ عند المتعلمين عادات الشغف بتعطيل المعرفة من أجل الاحتراز من سوء الأحوال الجوية وهو شغف مجازي غير مبرّر! فقد توسدتْ الأتربة قراراتنا ؛ وأصبح الغبار نظيرا للمطر وكلاهما من الطوارق المناخية التي تغلق دونها نوافذ الخصب والنماء المعرفي..
وأعلم أن تعليق الدراسة مستراد أمني له قراراته ودوائره المختصة إلا أنه تحيطني روح نافرة لغياب حكمة القرارات المنظمة لذلك الشأن فقد توالت أنباء تعليق الدراسة منذ سنوات في مثل هذه الظروف والأوقات فغدا تعليق الدراسة من مكونات الواقع التعليمي الحديث؛ فلم يَخْلُدُ إليه منسوبو المدارس ويستطعموه إلا حين تحضرت البلاد، وأصبحت نوافذ الحماية والصحة متاحة!!؟ ومن العجيب أن تعليق الدراسة سياسة تنظيمية تفردت بها فلسفتنا تجاه محددات ومنطلقات تنفيذ عمليات التعليم والتعلم, كما أن اختزال وقت التدريس ثلم في مستوياته التي تُبنى عليها محتويات المعرفة المكوّنة للحصيلة لدى المتعلمين.؛ فإذا ما كان تعليق الدراسة واختزال أوقات التدريس حليفا قويا لثقافة الهروب من المدارس التي هي حتما نتيجة في مقامها الأول للرغبة في النأي عن ذلك المحيط, والبحث عن أسباب مشرّعة لذلك, فقد أتت قرارات تعليق الدراسة صانعا ومكافئا لكل ذلك, ونتساءل كيف يسعى القائمون على صناعة المناهج إلى مستويات من التوسع تستهدف حشد المهارات والتطبيقات التي يجب أن ينفذها الطلاب عندما ينجزون تعلم المادة الدراسية في مستويات التأسيس الاولى وقد استُلِبتْ أوقات التنفيذ !!؟
وهنا أكاد أربط بين توالي إجراء تعليق الدراسة والاحتفاء بها قرارا ونتيجة وبين غياب النمذجة المتكاملة التي يجب أن تُقدّم في مجال التعليم, فأصبحت مبررات تعليق الدراسة قلائد المنظرين الذين يحسنون تعرية واقع المدارس ,ويوقعون على حتمية نزع صمامات الصحة خلال تواجد الطلاب خارج بيوتهم الملأى بالغبار !!؟ والمهم أن الواقع يريد تسوية وصلحا بين تلك القرارات وبين متطلبات التعلم, ولعلنا لا نكون مبالغين حين نرى أن تحويل المشاهد والأجواء المناخية إلى سخرية من الحياة الجادة هو إمعان في قلب الأوضاع لأن الناس يبصرون ببصائرهم لا بمشاعرهم, ولا بد للقرارات أن تقف بصلابة على تخوم الواقع, والواقع يُنبىء أن هناك احتفال بالغياب عن المدارس حين تعليق الدراسة يضاهيه حضور مهيب داخل الأسواق «المولات» والمقاهي والمطاعم!
ولأن الخطة الدراسية مغامرة يرتادها الشجاع من المعلمين, ويستكشف حساباتها ثم يسلك بالطلاب الطريق المضيء فإن فقد شيء من وقت المغامرة فقد للذة المسير في ذلك الطريق المضيء.
ولعلنا بعد ذلك نعي أنه يجب أن نتحول من الرأي الجاف إلى الرؤية الناقدة, فيكون للمؤسسة التعليمية المباشرة وقفات عند سن النظام وآليات التنفيذ...
مثل للتأمل ؛؛؛؛
«الغائبون دائما على خطأ»