ياسر صالح البهيجان
في المدن المنافسة عالميًا تأتي جماليّة الطرق كأحد عوامل نجاحها. تمكنت من كسر قيد الأنماط التقليدية في هندسة وتصميم الشوارع. آمنت بأن الطريق أصبح شبيهًا باللوحة الفنيّة التي لا تخلو من الإبداع والابتكار. أيقنت بأن جماليّة طرقها سرّ من أسرار جاذبيتها وتفوقها وارتقاع جودة الحياة فيها.
تزايد اهتمام الدول مؤخرًا بجماليّات الطرق كأولوية تضاهي أولوية تسهيلها للتنقل ومراعاتها للسلامة المرورية، حيث بإمكان العنصر الجمالي أن يحكي قصّة مدينة بثقافتها وعاداتها وتقاليدها وإرثها، ليس عبر الأنماط المعمارية وأشكال المباني، ولكن أيضًا بالجداريات المعبّرة وفنون النقش والحفر والتجسيد.
يخطئ البعض بالاعتقاد بأن إضفاء الطابع الجمالي على الطرقات يحتاج إلى تكلفة مالية مرتفعة، بل هي على العكس من ذلك، بإمكان التخطيط الإبداعي لتصميم الطرق الجميلة أن يقلل من تكلفة الإنشاء باستعمال أدوات أقل كلفة وأكثر نضارة، أو استخدام الفراغات لتشكّل منظرًا جماليًا تعززه الإضاءة والتشجير، المسألة عائدة إلى آليّة التفكير والتخطيط المسبق والاستفادة من التجارب الدولية في هذا الصعيد. من باب الإنصاف، لدينا نماذج إيجابية إذا ما تحدثنا عن مدينة الرياض، هناك نفق طريق الأمير سعد بن عبدالرحمن الأول، ونفق تقاطع طريق العروبة مع طريق الملك عبدالعزيز، وجداريات شارع التحلية، تجد فيها رسومات جميلة وتصاميم هندسية غاية في الإدهاش، ولا أعلم لماذا تظل هذه النماذج محصورة على أعداد قليلة من الطرقات. قد يكون تطوير الطرق القديمة مكلفًا ولكنه ضروريًا سواءً الآن أو في المستقبل القريب، ما دمنا نطمح لتنافس مدننا مدن العالم المتقدم.
والجزئية المهمة أيضًا في هذا الجانب، هو الاهتمام بالمناطق المحيطة بالطرق الرئيسية، فليس من المقبول رؤية منازل آيلة للسقوط، وعشوائيّات متفرقة، وأحسنت هيئة تطوير الرياض صنعًا عندما أدخلت المناطق المحيطة بالمترو ضمن نطاق عملها التطويري، وعلى ذات النهج لابد أن تسير الجهات المعنية بتطوير وتحسين وإنشاء الطرق، فمهما كان الطريق الجديد جميلاً فإن البيئة المحيطة به هي الفيصل، إمّا أن تعزز من جماله أو تفسد كل شيء.
عندما نزور أي مدينة في العالم، فإن أول ما نشاهد طرقها، وعندها نبدأ بتكوين صورة ذهنية عنها، وتلك الصورة الأولية عادة ما تبقى لفترات طويلة عالقة في الذاكرة، وما دمنا مقبلين على جعل المدن السعودية وجهة سياحية للداخل والخارج، فإن الاهتمام بانطباعات السكّان والزوار أمر في غاية الأهميّة، ومن هذا المبدأ كان لازمًا اعتبار جمالية الطرق أمرًا رئيسيًا لإحداث أثر ملموس له قيمته الاقتصادية والاجتماعية والسياحية.