في فجر يوم الثلاثاء الموافق 24 - 7 - 1439 تلقيت اتصالاً فجعني ويقول لي (الحق على أبوك، الحق على أبوك، الحق على أبوك)، فقفزت من منامي بذهولٍ وبدون شعور، مسرعاً قدر الاستطاعة إلى منزله الذي أنا بجواره ولا يبعد عني إلا بضعة أمتار ودخلت عليه في غرفة نومه فإذا به ممدداً على الأرض دون نفس أو حراك.
وقلبته ذات اليمين وذات الشمال وعملت له تنفساً صناعياً وإسعافات أولية لعلى وعسى. لكن القدر المحتوم على بني آدم قد وقع وقلت ما يرضي الرب {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.
أبي: سيبقى رحيلك وجعاً يمزقني، وهم لا يشعرون.
أبي: لو كنت أملك أن أهديك قلبي لنزعته من صدري لتحيا، ولو كنت أملك أن أهديك عمري لسجلت أيامي باسمك. لكن لا أملك سوى الدعاء لك من ولد يرجو أن يكون صالحاً بالمغفرة والرحمة من رب غفور ورحيم.
أبي: لو كتبت كل صفحات الدنيا تفجيعاً عليك وتابيناً لك كي أعبر لك عن حبي وتقديري واحترامي لك فلن تكفي صفحاتها أن توصل مشاعري إليك فحبي لك كبير وعظيم. اشتقت لك يا أبي ولَم يمض على فراقك إلا أيام قليلة، اشتقت لأب لن يرجع لي في دنياي، ولن يأتي أحد ليحل مكانه، فإذا كانت الأم هي نبع الحنان. فالأبوة هي الأمان.
لكن عزائي وإخوتي وأخواتي هو الحب الصادق من الجموع الغفيرة التي حضرت لمسجد الإمام محمد بن عبدالوهاب بمدينة بريدة للصلاة عليك. وتشييعك إلى قبرك في مقبرة الموطأ الذي أسأل الله العلي العظيم أن يجعله روضة من رياض الجنة، ويتقدم هؤلاء الجموع صاحب القلب الحنون والمحب لك وحبيب الجميع صاحب السمو الملكي الأمير الدكتور فيصل بن مشعل بن سعود بن عبدالعزيز أمير منطقة القصيم.
وفوق هذا وذاك برقية العزاء والمواساة من والد الشعب الملك سلمان بن عبدالعزيز، وسمو ولي العهد الأمين - حفظهما الله - لقد كانت لتعزيتهما أثرها الطيب على كافة أسرة الفقيد فلهما منا الدعاء الصادق بأن يحفظهما ذخراً للبلاد والعباد. رحمك الله وغفرلك يا والدي وأستاذي وقدوتي. يا صاحب القلب الكبير العطوف على الفقراء والمساكين والأيتام. ستفقدك مدينة بريدة الخير، فقدت ابناً باراً عمل منذ بلوغه عمر الشباب إلى مماته لرقي هذا البلد بكل ما أوتي من قوة وفِي كل المجالات التطويرية وكان همه وشغله الشاغل بريدة والكل يشهد له بذلك. ستفقدك جمعية البر الخيرية وجمعية تحفيظ القرآن الكريم ولجنة أهالي بريدة، ولجنة أصدقاء المرضى بالقصيم واللجان الإنسانية الأخرى.
لقد قدرك عارفوك ومحبوك جزاهم الله خيراً وسطروا مشاعرهم نثراً وشعراً وأعدت أربع خطب في أربع جوامع للتوضيح والتأبين وبيان للناس خيرك وفضلك والدعاء لك بالعفو والمغفرة.
نعاك صحفياً معالي الشيخ صالح بن عبدالله بن حميد إمام وخطيب المسجد الحرام، كما نعاك العم عبدالله بن صالح العثيم وأولاده، وصاحب المعالي عبدالعزيز بن علي التويجري، والأستاذ جاسر الجاسر، وجريدتنا المفضلة (الجزيرة) ونعاك رئيس لجنة أهالي بريدة وأعيان المنطقة معبرين عن حزنهم والدعاء لك، فلهم مني وإخوتي واخواتي الشكر والعرفان وجزاهم الله خيراً.
والدي:
لقد خلفت لنا مهمات ثقال، عاقدٌ العزم وإخوتي الكرام بحول الله وقوته وتوفيقه أن نواصل حضورك وعطاءك لمدينة بريدة ولجمعية تحفيظ القرآن الكريم وجمعية البر الخيرية ببريدة وغيرها.
وإن كنّا لن نبلغ عُشر ما بلغت وقدمته لدينك ووطنك وولاة الأمر حفظهم الله وسنحافظ على مكانة وترابط الأسرة.
فاللهم اغفر له واجعل قبره روضة من رياض الجنة واربط على قلوبنا. آمين
** **
- ابنك/ منصور بن محمد بن عثمان البشر