فهد بن جليد
عندما دخل مُصطلح (كاني وماني) على اللغة العربية، تداولته الألسن في دلالة على مدى الجدية كقولنا (ما عندي لا كاني ولا ماني) أي ليس لدي أي طُرق تحايل أو حلول أخرى، وليس هناك ما أخفيه عنك، وقد تستخدم للتوسل في البحث عن حل من هنا وهناك، رغم أنَّ أصل الكلمة قبطية ويُقال فرعونية إلا أنَّها مُستخدمة اليوم في كلام العرب ولغتهم الدارجة، فالكاني يعني (السمن) والماني يعني (العسل) كثيرون يردِّدون المثل ولا يفهمون المعنى المُرتبط بمُمَّارساته القديمة - عندما كان الفراعنة يتوسلون بتقديم السمن والعسل لقضاء حوائجهم - هذه المعلومات ساقها لي طالب في المرحلة المتوسطة, مؤكداً أنَّ قراءته لأول خمسين كتاباً في حياته بقصد المُشاركة في مشروع تحدي القراءة العربي الذي أطلقه الشيخ محمد بن راشد، فتحت شهيته أكثر للاطلاع على مُختلف العلوم، والاستزادة من المعارف, في أجمل صور الحراك الثقافي الذي يُشَكِّل الفكر ويبني العقول، وسط عصر سرقتنا فيه التقنية, مُهدِّدة بتعطيل قدراتنا ومخازننا المعرفية الإنسانية, واستبدالها بأزرار (الكيبورد) للبحث عن المعلومة والوصول إليها خلال (ثانية) أو جزء منها.
لم تُفاجئني إجابة نائب الأمين العام لمشروع تحدي القراءة العربي، عن سؤالي حول مُقارنة مستوى طلابنا ببقية الدول العربية الشقيقة؟ عندما أشاد بتميز أداء طلاب المملكة ومستوى قراءاتهم، وقال «دون مُجاملة وبكل شفافية كُنَّا نراهن مُنذ البداية على مستوى مُشاركات طلاب المملكة، وهو ما يعكس مستوى المدرسة السعودية والتعليم السعودي» انتهى كلامه, وهذا كان واضحاً حتى خلال مقابلاتي مع الطلاب السعوديين المُشاركين في (النُسخ الثلاث الأولى) من المشروع، وأدائهم المُتميز ولغتهم الرصينة والواضحة والسليمة، والتي كان أغلب المُتأهلين فيها للتصفيات النهائية من مدارس تتبع مناطق تعليمية خارج المُدن الرئيسة - إذا ما استثنينا الفائزة هذا العام بالمركز الأول من الرياض - وهو ما يعكس الاهتمام الذي يحظى به طلاب المُدن الصغيرة، والمدارس الأقل عدداً (غير المُكتظة بالطلاب) خارج المُدن الصاخبة، ربما نتيجة تفرغ المُدرسين هناك لاكتشاف المواهب وصقلها ورعايتها أكثر، وهذا ما يجب أن تلاحظه الوزارة، وتعتني به أكثر في برامجها التي يمكن أن تُطبِّقها. مدارس المناطق (غير الرئيسة) برأيي أنَّها ماتزال (أرض بكر) تستحق اكتشاف المزيد من المواهب بين طلابها، وصقل مهاراتهم ومنحهم ومُعلميهم (ثقة أكبر) للمُشاركة في المشهد الثقافي والمعرفي والتعليمي, دون الحاجة إلى (كاني ولا ماني) فهم فعلاً يستحقون.
وعلى دروب الخير نلتقي.