د. أحمد الفراج
هذه الأيام، يتجول مدير المباحث الفيدرالية الأمريكية السابق (FBI)، جيمز كومي، على البرامج التلفزيونية، ليحكي عن كتابه، الذي أصدره مؤخراً، والذي قال فيه عن الرئيس ترمب ما لم يقله مالك بالخمر، ولا يلام كومي، فقد عزله ترمب من منصبه بطريقة مهينة، إذ تم إعلان العزل، وبثته محطات التلفزة، بينما كان كومي يلقي محاضرة لمجموعة من عملاء الـFBI، في مدينة لوس انجلوس، ويقول من كان حاضراً، إن كومي تفاجأ، وأصيب بالذهول، ثم ألغى ارتباطاته الباقية، وغادر لوس انجلوس إلى واشنطن، ولم يصرح بشيء يذكر، ثم اتضح أنه قرَّر الانتقام، بإصدار كتاب، في توقيت سيئ للغاية لترمب، الذي يمر بأزمات متتالية، يتعلّق معظمها بقضية التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية!
جيمس كومي، الذي عمل نائباً لوزير العدل، في إدارة الرئيس، جورج بوش الابن، ثم عيّنه الرئيس الديمقراطي، باراك أوباما، مديراً للمباحث الفيدرالية ( FBI)، رغم أنه جمهوري، يتمتع بسيرة عملية جيدة، ويا للمفارقة، التي نستطيع أن نقرأ من خلالها الكثير، فالذي عيّن الجمهوري، جيمس كومي، رئيس ديمقراطي (أوباما)، والذي اختلف معه وعزله، رئيس جمهوري (ترمب)! ويقول كومي، إن الرئيس ترمب طلب منه أن يكون مخلصاً له، وهذا لو صح، يعتبر تجاوزاً للخط الأحمر، ففي الأجهزة الأمنية، لا مكان للولاءات، والولاء يكون للحقيقة والحقيقة فقط، كما يزعم كومي، أن ترمب طلب منه المساعدة في قضية مستشار الأمن القومي السابق، مايكل فلن، الذي عزله ترمب مرغماً، رغم أنه من أخلص رجالاته، وفي كتاب كومي فضائح من عيار ثقيل، وكان بإمكان ترمب تحاشي كل ذلك، لو تخلى عن عناده، وتعامل مع كومي بمهنية، أو عزله بطريقة لائقة، ولكنه ترمب، الذي قرَّر منذ اليوم الأول مجابهة الجميع، الساسة ووسائل الإعلام وحتى بعض رجالاته، مع الثقة بأنه سيهزم الجميع!
لا أحد يعرف كيف يفكر ترمب، وقد صرح مؤخراً، أحد أهم رجالات واشنطن، خلال الخمسين سنة الأخيرة، الوزير ليون بانيتا، الذي خدم في مواقع كثيرة، أهمها رئاسة الاستخبارات المركزية (CIA)، ووزارة الدفاع، وقال: «إنني عاصرت وعملت مع مجموعة من الرؤساء، ولكني لم أشاهد مثل ترمب»، ولو قرأ ترمب التاريخ، لعرف أن مهادنة الإعلام مهمة، والتنازل أحياناً مهم، ولعرف أن اللعب مع شخصية أمنية كبيرة، وإهانتها، مثل ما فعل بمدير الـ (FBI)، يعتبر لعباً بالنار، فأشهر مدراء الـ FBI، ادجار هوفر، الذي رأس الوكالة لعقود، كان بعبعاً مخيفاً للرؤساء الذين عمل معهم، وهم من أشهر وأهم رؤساء أمريكا، مثل فرانكلين روزفلت، وهاري ترومان، الذي أعطى الأوامر بضرب اليابان بالقنابل النووية، ودويت ايزنهاور، وجون كينيدي، لأنه كان يعرف كل الأسرار التي يستطيع ابتزازهم بها، خصوصاً ما يتعلّق بموضوع العشيقات والحياة الخاصة، ولكن ترمب تجاهل كل ذلك، ولا يبدو في الأفق ما يشير إلى أنه استوعب الدرس، لأنه ما زال يهاجم ويتحدى، وقد تهجم بشكل خاص وقاس على جيمز كومي، ولكن هذا الهجوم الترمبي على كومي، سيزيد مبيعات الكتاب وينشره بشكل أوسع، والمؤكد أن واشنطن تعيش حرائق بالجملة حالياً، وستكون متابعة تطوراتها متعة لا تعدلها متعة!