برعاية كريمة من محافظ الأحساء الأمير بدر بن محمد بن جلوي آل سعود، ونيابة عن سموه افتتح الأستاذ معاذ الجعفري نائب المحافظ مهرجان جواثى الثقافي في نسخته الخامسة في الفترة من 25-26 من شهر رجب عام 1439الموافقة لـ11-12 من شهر أبريل لعام 2018. وكان عنوان المهرجان (التنشئة الأدبية - الأبعاد الثقافية والوطنية).
ولا بد أن تعيدنا كلمة (جواثى) التي أصبحت عنوان هذا المهرجان إلى تاريخ الأحساء الإسلامي، فقد كانت الأحساء سباقة للدخول في الإسلام حين أرسلت بنو قيس وفدها ليستطلع خبر الرسول محمد صلى الله عليه وسلم فدخلوا في دين الله أفواجا، وانخرطوا في الغزوات والفتوحات لإعلاء كلمة الله، وحين عادوا من وفادتهم عليه صلى الله عليه وسلم للمرة الثانية في السنة السابعة للهجرة أسسوا مسجد (جواثى) ليكون ثاني جامع تقام فيه صلاة الجمعة بعد المسجد النبوي.
لقد كانت الأحساء مهد الحضارات القديمة، وزادها دخولها في الإسلام شرفا ورفعة، وظلت منذ ذلك الحين - وما زالت - موئلا للعلم والعلماء، كما كانت مهدا للعمارة والبناء.
ومن حسن حظها في هذا العهد الميمون أن يتسلم راية الثقافة فيها حصن ثقافي منيع؛ ذلكم هو (نادي الأحساء الأدبي) الذي جاء إنشاؤه متأخرا عن غيره من الأندية الأدبية (1428/2017) لكن هذا التأخر جاء في صالحه لأنه ابتدأ من حيث انتهى الآخرون، واستفاد من تجارب من سبقوه، وكأنَّ أبا العلاء المعري يتحدث على لسانه حين قال:
وإني وإن كنت الأخير زمانه لآت بما لم تستطعه الأوائل
لقد كان على رأس الأهداف التي وضعها مجلس إدارة النادي لتنفيذها خلال السنوات الأربع التي حددها قرار معالي وزير الثقافة والإعلام (إنشاءُ مقر للنادي) لأن المقر الملائم الدائم ضرورة حتمية لتنفيذ الأنشطة والفعاليات واحتضانها، ووجود المرافق من مسارح وقاعات ومكتبة يمثل بيئة صالحة لاستقطاب الجمهور لهذه الفعاليات. وقد حقق النادي هذا الهدف بعد جهد جهيد ومساع حثيثة بذلها للحصول - أولا - على قطعة الأرض المناسبة ثم إقامة المبنى. وقد تضافر الدعم الحكومي مع التبرع السخي من رجال الأعمال؛ أبناء حمد الجبر - رحمه الله - لتحويل قطعة الأرض هذه إلى مبنى نموذجي مكتمل المرافق.
وإلى جانب إنجاز النادي هذه التحفة المعمارية والمعلم الحضاري فقد حقق النادي أهدافه التي رسمها، ومن بينها اهتمامه بجيل الشباب - من الجنسين - والعناية بهم ووضعهم نصب عينيه في برامجه ونشاطاته؛ بل والحرص على إشراكهم في فعالياته، وتبنِّي مواهبهم. فقد أسس النادي اللجنة الشبابية للثقافة والإبداع، وهو يقيم ملتقى الأديبات الواعدات كل شهر، ولم يُغفل الأطفال فخصص لهم مساحة واسعة في برامجه، وأشركهم في مناسباته الثقافية لا سيما الوطنية منها. وليس أدل من حفاوة النادي بالنشء من تخصيص هذا المهرجان لتنشئتهم الأدبية.
ابتدأ المهرجان في صبيحة اليوم الأول الأربعاء بحفل الافتتاح باستقبال نائب المحافظ ممثِّلا لراعي المهرجان، ثم بالقرآن الكريم، فكلمة رئيس مجلس النادي الأستاذ الدكتور ظافر الشهري، ثم كلمة الضيوف المشاركين ألقاها الأستاذ الدكتور أحمد آل مريع؛ رئيس مجلس إدارة نادي أبها الأدبي. ومن ثم قدم مجموعة من الشباب مشاركة أدبية تمثلت في عرض مسرحي بعنوان (المملكة العربية السعودية: حقائق وبراهين) إذ أدى عدد من فتيان النادي بضع عشرة لوحة مسرحية متحركة تظهر إنجازات المملكة التنموية، وتصحح ما يتردد من صور مغلوطة عنها.
تلا هذا الافتتاح المبسط الجلسة العلمية الأولى، وكانت بعنوان (التنشئة الأدبية في التراث العربي: المفهوم والبعد التاريخي وتعزيز قيم الالتزام الفكري والتربوي والوطني) وقد رأستها الدكتورة كوثر القاضي، وتحدث فيها كل من: د. محمد البشير، د. خالد الجريان، د. أحلام الوصيفر، أ. جمال القعبوبي. أعقبتها مداخلات الحضور وأسئلته، ثم تكريم المشاركين..
وفي مساء اليوم نفسه كان الجمهور على موعد مع حفل مسرحي بدأ بكلمة المثقفين ألقاها نيابة عنهم الأستاذ الدكتور فالح العجمي، ثم (فيلم) مرئي عن مسيرة نادي الأحساء الأدبي، فقصيدة للشاعر الأحسائي المبدع جاسم آل عساكر. ومن ثم استمتع الحضور بـ (أوبريت في رحاب جواثى) الذي كتب نصه الدكتور سامي الجمعان وحظي بإعجاب الحضور.
والحقيقة أن نادي الأحساء أصبح متمكنا في تنفيذ (الأوبريتات) البديعة، فقد قدم أوبريتا مماثلا في مناسبة الاحتفاء باليوم الوطني السابع والثمانين قبل بضعة أشهر كان بعنوان (وطن الأمجاد) كتب كلماته الشاعرة بشائر محمد كان مثار إعجاب كل من شاهده..
وفي صباح اليوم التالي الخميس بدأت الجلسة الثانية تحت عنوان (التنشئة والأجناس الأدبية في الدراسات النقدية الحديثة) ورأسها الدكتور معجب العدواني، وقدم أوراق العمل كلٌّ من د. حمد الدخيّل، عامر حلواني، د. عبدالله ح امد، د. أشجان هندي. تلاها الجلسة الثالثة بعنوان (التنشئة الأدبية في ظل العالم الافتراضي والتطورالتكنولوجي وتجارب معاصرة) وأدار الجلسة الأستاذة كوثر الأربش، وكانت الأوراق لكل من د. هاجد الحربي، د. محمد البدوي، د. عبدالله الحيدري، د. عبدالرزاق حسين، د. نادية لطفي ناصر..
وقد تلا كلا الجلستين مداخلات ثرية من جمهور المثقفين، ثم تكريم المشاركين.
أما في المساء فكان ختام مسك المهرجان محاضرة للشيخ صالح بن عواد المغامسي بعنوان (تنشئتي الأدبية).
لقد شارك في هذا المهرجان ودُعي إليه كوكبة من الباحثين والمثقفين من مختلف مناطق المملكة، ومن بعض المقيمين فيها من الإخوة العرب مما يدل على أن نادي الأحساء ليس ناديا إقليميا لأهل الأحساء فحسب؛ بل يفتح ذراعيه لمثقفي المملكة من أدناها إلى أقصاها، ويبسط إشعاعه على كل بقعة في الوطن.
تحية لنادي الأحساء الأدبي، وتهنئة خاصة له بهذه النجاحات المتتالية، والشكر والتقدير لأعضاء مجلس إدارة النادي الذين لم يشغلهم الاستعداد لهذا المهرجان والانشغال بتنفيذه عن كرم استقبالهم ورعايتهم لضيوفهم. ولا بد من الإشادة الخاصة برئيس مجلس إدارة النادي الأستاذ الدكتور ظافر الشهري لمتابعته لكل التفاصيل، وللجندي المجهول المدير الإداري في النادي الأستاذ محمد الجلواح الذي لم يترك للضيوف سؤالا يمكن أن يطرحوه، فقد أجابت رسائله الصوتية والمكتوبة عبر (الواتس أب) عن كل استفسار قد يخطر في بال الضيف. وتحية خاصة للأستاذ عبدالجليل الحافظ الذي لم تنزل آلة التصوير من عاتقه إلا بعد أن تأكد أنه وثق كل لحظات المهرجان بدءا من وصول أول ضيف وانتهاء بوداع آخرهم..
** **
- سعد عبدالله الغريبي