عبد المحسن سليمان الحقيل
شرفت مؤخراً بإهداءات من بعض مبدعينا في ليالي الشعر، وبدا لي أن مبدعينا باتوا يهتمون كثيراً بعتبة العنوان، فهي المفتاح الأول للنصوص، وللإصدارات، وحسب جيرار جينت فللعنوان أربع وظائف ومنها: الإيحائية والإغرائية.
ومع جوهرة يوسف يفاجئنا عنوان إصدارها: «أسرار مجعدة» وفي المعنى العام السر إذا جاوز اثنين شاع، والمبدعة تنشر هنا فهي تفترض سلفا أنه ليس سرا، ثم هي تصف الأسرار بأنها «مجعدة» والمؤلفة أنثى فتستدعي أن التجعيد صفة للشعر فكيف وهبتها الأسرار؟.
تبدو وكأنها أسرار غير منبسطة فهي من جهة أخرى ليست للنشر والمبدعة قامت هي نفسها بالنشر!
ومع بعض نصوصها نجد: تسابيح موج، فقاعات تسابيح، خوف شهي، دُمية للحداد، صعلكة الصمت، من ثغر شيطان، وكلها عنوانات محرضة على القراءة ومثيرة للمتصفح قبل أن يكون قارئاً.
وفي نصها: «توبة محرمة» تقول:
كان علي أن أتوب من ذنوبي التي ارتكبتها في قصائدي
ومن الكلام الذي لم أبح لك به
قبل ذهابك
شخصياً ظننت أن التوبة من الكلام الذي باحت به فندمت، فإذا بها تفاجئني بأنها توبة عما لم تبح به وهذا غريب.
والشاعر عبدالله مفتاح يختار عنوان ديوانه: «تلك التي لا تجيء» وأزعم أنه من الحمق افتراض أنها حبيبة غائبة، ويغلب على ظني أنها القصيدة، فلكل شاعر قصيدة لم تجئ بعد، ولن تجيء أبداً، ولو جاءت لانتهت تجربته.
ومن عنوانات الديوان: رسالة بيضاء، عطش السنابل، ماء، وكلها مثيرة على القراءة ومحرضة عليها حسب رأيي.
ومع عبدالله يحضر عنوان «وتس أب» ومن يقرأ النص يدرك أنه أمام شاعر بارع نجح كثيراً في نصه ومنه:
طال هذا الصمت لله أنا
كم تجنيتِ وكم متُ هنا
أنت يا «ريم» بقاياي التي
قتلتنا من سيبكي قتلنا؟
أنا؟ أنتِ أم الحب الذي
لم يشح عنا، ولا كان لنا
ويدعك تتساءل كيف لم يشح عنهما ولا كان لهما، وفي خاتمة النص يظهر كل شيء:
كيف؟ أرجوكِ أجيبي مرة
وافتحي «الوتس» وضميني سنا
يلعب الوتس دوره في التواصل، لكنه تواصل بين شخصين لم يشح عنهما الحب ولم يكن لهما!
ومع خديجة إبراهيم يكون عنوان الإصدار: «معزوفة تراوغ الصمت» والمعزوفة إنما أعدت لتُسمع فكيف كانت معزوفة خديجة تراوغ صمتاً؟!!
عنوان محرض على القراءة دون شك.
ومن عنوانات الإصدار: «على قيد حلم، ثنايا الضوء، صبح تغنى».
ونصوصها معظمها طويلة جداً ثم مقسمة فلا يمكنك الاكتفاء بقسم واحد لقراءة نص، ومن نصها على قيد حلم وهو قصير:
عطر هنا وقلب مسكوب هناك
كقنينة أفرغها الحنين شغفا
مطر يموج بروحي
يبقيني على قيد الحلم والتنفس
يبدو لي أن جوهرة يوسف وعبد الله مفتاح وخديجة إبراهيم نجحوا كثيرا في توظيف عتبة العنوان لخدمة نصوصهم وفي تحريض القراء للحضور، وتلك موهبة أخرى تضاف للموهبة الأصل في إبداعاتهم.