محمد عبد الرزاق القشعمي
سمعت به وبدوره القيادي بوزارة المعارف عند إنشائها عام 1373هـ / 1953م وعرفته من خلال اللقاء الأسبوعي (الخميسية) بمركز الشيخ حمد الجاسر الثقافي ، فلمست منه الروح اللطيفة ، وما يتمتع به من أخلاق عالية ، وتعامل جيد ، وعرفت أنه يستقبل زواره في منزله ليلتين في الأسبوع - الاثنين والخميس - بين صلاتي المغرب والعشاء .. وبدأت حضور مجلسه - قبل نحو عشر سنوات - كلما سنحت الفرصة ولو متقطعة ، فوجدت كثيراً من المسؤولين السابقين من وزراء ووكلاء وعلماء ومحامين ومدراء بنوك وتجار وأطباء يحرصون على الحضور ، فمجلسه يكتظ بمحبيه.
أنست به وأنس بي ، وأصبح يسأل عني عندما أنقطع عن الحضور ، ذكرت له أنني أسجل مع البعض حديث الذكريات ضمن برنامج (التاريخ الشفهي للمملكة) وأن مكتبة الملك فهد الوطنية معنية بذلك ، فطلبت منه تحديد موعد للتسجيل معه فاعتذر بلطف ، فحاولت معه مرة أخرى فقال إنه لا يحس أن لديه ما يستحق التسجيل ، فوسطت له الأستاذ عبد الله العلي النعيم - والذي كان وقتها رئيس لمجلس أمناء مكتبة الملك فهد الوطنية - فتحجج بأن ما بقي في ذاكرته إلا القليل.
انقطعت عن حضور مجلسه فترة . وسمعت بتعرضه لبعض الأعراض الصحية ، فزرته قبل سنتين للاطمئنان ، ثم انقطعت ، فسأل عني أو على الأصح اتصل بي وأخبرني بأن المجلس مفتوح ليوم واحد هو مساء الخميس من كل أسبوع بدل لقاءين كما سبق.
فاتحته للمرة الرابعة أو الخامسة بما أريد ، فقلت إنني مقتنع بامتناعك أو رفضك التسجيل وسأحترم رغبتك .. ولكن لدي مشروع شخصي وهو تأليف كتاب يتناول سيرة مختصرة لبعض الأشخاص الذين لم يكتبوا مذكراتهم أو سيرهم أو لم يكتب عنهم بما يتناسب وما قدموه لمجتمعهم ، وأنني أنشر هذه الكتابات تحت عنوان : (أعلام في الظل) في الصحافة تمهيداً لجمعها في كتاب ، وكان معي نماذج لما نشر عن بعضهم ، وزودته بها وفرح كثيراً عندما ذكرت أسماء أناس عمل معهم أو عاصرهم مثل: حمزة عابد ، ومدني بن حمد ، وأحمد عبيد ، ومحمد طاهر الدباغ ، وعبد الرحمن البطحي وغيرهم.
فقلت له أريد فقط سيرة مختصرة لكم لاستكمل ما لدي من معلومات ، فوعدني بعد إلحاح وأعطيت ابنه عبد الرحمن رقم الهاتف ليرسل لي المطلوب والذي لم يصل.
فعدت له منتصف عام 1437هـ 2016م وبقيت في مجلسه حتى خرج جميع أصدقائه فكررت ما طلبته بما يشبه الرجاء .. فقال لي : كيف تريدني أن أقول إنني قد فصلت من وزارة المعارف بقرار من مجلس الوزراء ؟ وكان وقتها يعمل مديراً عاماً للوزارة - ولهذا أرجو أن تعفيني.
وأخيراً وبعد صدور كتاب الشيخ محمد الناصر العبودي (معجم أسر عنيزة) وجدت به ترجمة مختصرة عن أسرة الفريح ومنها سيرة مختصرة عنه. فقلت لعلي اكتفي بها ، مع ما سبق أن ذكره عنه الشيخ حمد الجاسر عندما كان يعد لصدور مجلته (اليمامة) بالقاهرة عام 1372هـ 1953م عندما كان الفريح على وشك التخرج من الجامعة.
وأن كان عبد الله القرعاوي (1933 - 2006م) يذكر في مذكراته أنه بدأ العمل في الصحافة منذ يفاعته ، فقد اشترك في تحرير مجلة (الشباب) أثناء دراسته في مدرسة تحضير البعثات بمكة عام 1361هـ 1942م والذي كان يرأس تحريرها محمد الفريح.
ونجد حمد الجاسر يقول في كتابه (من سوانح الذكريات) وهو يروي قصة صدور مجلة اليمامة وطباعتها بالقاهرة 1372هـ 1953م، ويشير إلى جهود بعض الطلاب السعوديين في مساندته ومشاركته في إعداد المقالات ومتابعة الطباعة وغير ذلك.
فيقول : «.. ويتوالى نشاط أولئك الأحبة من أبنائنا الطلبة ممن أصبحوا فيما بعد يتسنمون أعلى المراكز في الدولة من وزارات وغيرها ، منهم بل أبرزهم وأنشطهم بالنسبة للعمل في هذه الصحيفة في أول إنشائها اثنان هما: ناصر المنقور ، وصالح الحصين ، ومن أولئك عبد الرحمن أبا الخيل ، وعبد العزيز السالم ، ومحمد عبد الرحمن الفريح ، وعبد الرزاق الريس ، وعبد الرحمن بن سليمان آل الشيخ ، وحسن المشاري ، وإبراهيم العنقري ، وعبد الله الطريقي ، إلى آخرين لا يتسع المقام لذكر أسمائهم من مشاهير الكتاب والشعراء الذين في استطاعة القارئ أن يرى آثارهم فيما نشرته المجلة في سنتيها الأوليين .. ». (1)
هذا وقد نشر للفريح في العدد الثاني من مجلة اليمامة لشهر محرم 1373هـ / سبتمبر1953م مقال نقدي لديوان (همسات) للشاعر طاهر زمخشري ، ونشر بقية المقال في العدد الرابع الصادر في شهر ربيع الأول 1373هـ / نوفمبر1953م.
وقد بدأ المقال بقوله : «شيء واحد آمنت به عندما قلبت ديوان همسات للأستاذ الشاعر طاهر زمخشري .. هذا الشيء هو أن هذا الديوان أو - أكثره - لا يساوي شيئاً في مجال القيمة الفنية .. !! وليعذرني الأستاذ الشاعر إذا قلت هذا مع حسن ظني في شعره فإنني لم أجد أرق من هذه الكلمات في تصوير الشعور الذي تركته في نفسي قراءتي لهذا الديوان.
وما هي مهمة النقد إن لم تكن تصوير الانطباعات الشعورية التي تنعكس على صفحة النفس أثناء تناول الأثر الفني بالدرس والقراءة ؟!! .. إلخ». (2)
... ... ...
(1) من سوانح الذكريات ، حمد الجاسر ، الرياض ، مركز حمد الجاسر الثقافي ، ط1، 1427هـ 2006م ، ج2 ، ص 981.
(2) مجلة اليمامة (مصورة) ، مركز حمد الجاسر الثقافي ، ج1 ، ع2 ص 27 - 30 ، ع4 ص 23 - 26.