د. فهد بن علي العليان
كان يوم الخميس 26 رجب 1439، الموافق 12 أبريل 2018م، يوماً شاقاً ومتعباً في مجال العمل. وفي الوقت نفسه، كان صاحبكم ينتظر مساءه وليلته؛ ليحضر حفل تخرج ابنه الأكبر (علي) من كلية الطب بجامعة الملك سعود.
قبيل المغرب، أنهيت كل التزاماتي العملية، وانطلقت إلى قاعة حمد الجاسر في قلب جامعة الملك سعود، لأحضر وعائلتي الحفل الذي يحضره كثير من الآباء والأمهات وعوائل المتخرّجين.
دخلنا القاعة والتقيت بزملاء (آباء) يحضرون من أجل قطف ثمرة ست سنوات قضاها الأبناء في دهاليز كلية الطب، تبادلنا الحديث ثم بدأ الحفل فبدأت مسيرة المتخرّجين، فانطلقت التصفيقات، وبقي كل أب وأم وأخت وأخ ينظر في الطابور ليرى ابنه وابنها وأخاها وأخاه. الجميع في حالة فرح وسرور وبهجة برؤية ابنهم يتوشح لباس التخرّج، وهنا دارت بصاحبكم ذكريات لم يسبق لها أن خالطته، حيث تذكرت أياماً قضى فيها الابن (علي) أيامه ولياليه في مكتبة الجامعة وفي الكلية، يتابع دراسته ويتتبع أبحاثه، فكنا نقضي كثيراً من الأيام لا نلتقي، هو في كليته وأنا ما بين العمل والمنزل والحل والترحال، كل هذا طاف بخيالي إضافة إلى مشاعر لا يمكن الحديث عنها أو وصفها، لكن يدركها تمام الإدراك كل أب وأم.
انتهت مسيرة الخريجين، واستمرت فقرات حفل التخرّج، حتى وصلنا للفقرة الجميلة والأجمل للخريجين وأهلهم أجمعين، حين ينادي عريف الحفل كل خريج باسمه ليخرج على المنصة ويتسلّم شهادته من عميد كلية الطب، ينادي قائلاً: «الخريج الدكتور ...»
بدأ الآباء والأمهات يترقبون إعلان أسماء أبنائهم، وهنا أصدقكم القول إنها اللحظة التي أخرجت مدامعي فرحاً حين نادى المذيع» الخريج الدكتور علي بن فهد العليان» ثم خرجت صورته على شاشة القاعة، فصعد المنصة أومأ بيده موجهاً تحيته لأعلى القاعة، حيث تجلس والدته رفيقة دربي (هدى السالم) التي طالما ألهمتنا جميعا بمتابعتها وحرصها ودفء مشاعرها.
تسلّم شهادته وهديته والتقط الصورة مع عميد الكلية، وأنا في كل هذه الدقائق، أشكر ربي وأدعو للجميع بالتوفيق والفلاح والنجاح. كانت تلك الدقائق من أجمل لحظات العمر، فيها مشاعر أب يرى بعضه يحقق أمانيه، يرى ابنه الذي يغيب عنه الساعات والأيام ينهي مرحلة من أهم مراحل حياته. أنهاها، والفضل لله أولاً وآخراً ثم (لوالدته) التي تابعت وسهرت وتحملت بعده وغيابه عنها.
تلك كانت اللحظة الأولى ، التي فيها اختلطت المشاعر، ودار فيها شريط الذكرى والذكريات.
أما الثانية التي فيها شعر صاحبكم فيها بقشعريرة تهز بدنه، فهي حين بدأ وكيل كلية الطب يتلو القسم، والخريجون وراءه يرددون، لقد كانت لحظة أحسست فيها بحجم مسؤولية كل طبيب أمام الله أولا، ثم أمام كل مريض (الصديق والعدو، القريب والبعيد)، إن القسم الذي سمعته بعقلي وقلبي يهز قلب كل إنسان، ويجعل كل طبيب أمام مسؤوليته الإنسانية. أنهى الخريجون القسم، فانطلقوا يعانق بعضهم بعضا، ثم اتجهوا إلى أهليهم فاختلطت دموعهم بضحكاتهم.
يا الله، ما أجملها من لحظات، حين رأيت (الوالد) بجواري في المقعد يعانق ابنه ويمسح دموع فرحه، ويحاول أن يخفيها لكن هيهات، إذ لا يمكن حبس دموع الفرح التي انتظرها الأبناء والوالدان ست سنوات بكل متاعبها وتفاصيلها.
التقيت بالابن الخريج (علي)، وهنا تتوقف حروفي عن وصف المشاهد التي أراها. لكن لا يمكن لي أن أنسى التقاء العوائل بأبنائهم في بهو الجامعة يلتقطون صوراً تذكارية في جو عائلي محترم بهيج ومبهج.
لم ينته المشوار لهؤلاء الخريجين، فهنا البداية. وبعد ذلك كله، لله الحمد والشكر من قبل ومن بعد على توفيقه وفضله. تهنئة لكل الخريجين، ربي سددهم واكفهم شر الأشرار وحسد الحاسدين، وتهنئة تمتد لكل الآباء والأمهات الذين بذلوا فنالوا. أصلح الله للجميع الأبناء والبنات