د. أبو أوس إبراهيم الشمسان
من الأفعال ما يكون معتل الفاء واللام، أي أول جذوره واو أو ياء ولامه واو أو ياء تخلفهما في الفعل الماضي ألف، ويسمي الصرفيون هذا (اللفيف المفروق)، ومن شأن مضارع هذا الفعل أن تحذف فاؤه لوقوعها بين ياء وكسرة، فيقال من (وقى): يَقي، وكان أصله (يَوْقي) من باب (ضَرَبَ)، ثمّ إنّ المضارع قد يجزم، فتحذف اللام منه للجزم: لم يَقِ نفسه، وأما فعل الأمر فهو على صورة المضارع المجزوم من غير أحرف المضارعة، يرى البصريون أنه بني هذا البناء، أي هو مبني على ما جزم به مضارعه، ورأى الكوفيون أنه مجزوم جزم مضارعه؛ إذ هو مقتطع منه في الوضع باطراح أحرف المضارعة، وقولهم سديد؛ وعلى هذا يصير الأمر من المضارع المجزوم (يقِ) على حرف واحد (قِ) ووزنه (عِ). وأتت هذه الأفعال على بابين، باب (ضرب) مثل «وعى يعي، ونى يني، وهى يهي»، وباب (حسِب) مثل «ولِيَ يلي، وَرِيَ يري». وأما ما جاء على باب (علِم) فتصح فاؤه، مثل «وجِي يوجى»(1).
شارك هذه الأفعال في مجيء الأمر منها على حرف واحد الفعل الناقص (رأى)؛ لأن المضارع منه تحذف منه عينه (الهمزة) اعتباطًا فيقال: يَرى، وتحذف لامه إذا جزم، فيقال: لم يَرَ شيئًا، والأمر منه باطراح حرف المضارعة فيصير (رَ) شيئًا.
وشاركها الفعل المثال المهموز اللام بعد تسهيلها (وجأ) يصير (وجا)، قال ابن دريد «وَجَأه بخنجر أَو غَيره يَجَؤه وَجْأً، مَهْمُوز، ووجاه يجاه وَجْيًا، غير مَهْمُوز»(2). وهو من باب (فتح).
جمع بعض هذه الأفعال ابن مالك مسندة للمخاطب المذكر، فالمثنى، فالجمع المذكر، ثم المخاطبة ثم المخاطبات، ونظمها في عشرة أبيات ذكرها الخضري في حاشيته(3) يقول فيها:
إنّي أَقولُ لمنْ تُرْجى مَوَدَّتُهُ
قِ الْمُسْتَجيرَ قِياهُ قُوهُ قِي قِينَ
وإنْ صَرَفْتَ لِوَالٍ شُغْلَ آخَرَ قُلْ
لِ شُغْلَ هَذا لِياهُ لُوهُ لِي لِينَ
وإنْ وَشى(4) ثَوْبَ غَيْري قُلْتُ في ضَجَرٍ
شِ الثَّوْبَ وَيْكَ شِياهُ شُوهُ شِي شِينَ
وقُلْ لِقاتِلِ إنْسانٍ عَلى خَطَأٍ
دِ مَنْ قَتَلْتَ دِياهُ دُوهُ دِي دِينَ
وإنْ هُمُ لمْ يَرَوْا رَأْيي أَقُولُ لهُمْ
رَ الرَّأْيَ وَيْكَ رَياه رَوْه رَيْ رَيْنَ
وإنْ هُمُ لمْ يَعُوا قوْلِي أَقُولُ لهُمْ
ع ِالقَوْلَ مِنِّي عِياهُ عُوهُ عِي عِينَ
وإن أمَرْتَ بِوَأْيٍ(5) للمُحِبِّ فقلْ
إِ مَنْ تُحِبُّ إياهُ أوهُ إِي إينَ
وإنْ أَرَدتَّ الْوَنَى وَهْوَ الفُتُورُ فَقُلْ
نِ يا خَلِيلِي نِياهُ نُوهُ نِي نِينَ
وإنْ أبَى أن يَفِي بالْعَهْدِ قٌلْتُ لَهُ
فِ يا فلانُ فِياهُ فُوهُ فِي فِينَ
وقُلْ لِساكِنِ قَلْبِي إنْ سِوَاكَ بِهِ
جَ(6) القلبَ مِنِّي جَياهُ جَوهُ جَي جَينَ
ومن الأفعال التي جاءت على حرف ولم ترد في المنظومة الفعل (صِ)، جاء في تهذيب اللغة للأزهري (12/ 187): «أَبُو عُبَيد: وَصَيْتُ الشيءَ ووصَلْتُه سَوَاء». والفعل (هِ)، جاء في المحكم والمحيط الأعظم لابن سيده، (4/ 453): «ووَهَى الشَّيْء ووَهِيَ يَهِي فيهمَا جَمِيعًا، وَهْيًا فَهُوَ واهٍ: ضعف».
... ... ...
(1) ابن عقيل، شرح ابن عقيل، 4: 306.
(2) ابن دريد، جمهرة اللغة، 2: 54.
(3) محمد الخضري، حاشية الخضري على شرح ابن عقيل لألفية ابن مالك، دار الفكر، 1: 31. قال «فهذه عشرة أفعال كلها بالكسر إلّا (رَ) فيفتح في جميع أمثلته لفتح عين مضارعه، وكلها متعدية إلّا (نِ) فلازم لأنّه بمعنى تأن، فالهاء في (نياه) هاء المصدر لا المفعول به». ولعل في قوله وهمًا، فالفعل (جَ) متعد كما في المنظومة، وهو مفتوح حسب نصّ ابن دريد.
(4) جاء في (جمهرة اللغة) لابن دريد «وشى الرجل بِالرجلِ يَشي وَشْيًا وَهُوَ واشٍ إِذا سعى بِهِ أَو ذكره بقبيح. ووشَّيتَ الثَّوْبَ إِذا رقمتَه فَأَنت مُوَشٍّ وَالثَّوْبُ مُوَشًّى وَالرجلُ وَشّاء. وَيُقَال: وَشَيْت الثَّوْبَ بِالتَّخْفِيفِ فَهُوَ مَوْشِيّ».
(5) جاء في (الصحاح) للجوهري «الوَأْيُ: الوعدُ. يقال منه: وَأَيْتُهُ وَأْيًا. والوَأَى بالتحريك: الحمارُ الوحشي المقتدر الخلق». وورد فعل الأمر المؤكد بالنون (إِنَّ) في لغز نحوي، قال ابن هشام في (مغني اللبيب عن كتب الأعاريب) 1: 27، «وعَلى ذَلِك يتَخَرَّج اللغز الْمَشْهُور وَهُوَ قَوْله:
(إِنَّ هِنْدُ الْمَليحَةُ الْحَسْنَاءَ ... وَأْيَ مَنْ أَضْمَرَتْ لِخِلٍ وَفَاء)
فَإِنَّهُ يُقَال كَيفَ رفع اسْمُ إِنَّ وَصفتُه الأولى وَالْجَوَا ب أَن الْهمزَة فعل أَمر وَالنُّون للتوكيد وَالْأَصْل إينَّ بِهَمْزَة مَكْسُورَة وياء سَاكِنة للمخاطبة وَنون مُشَدّدَة للتوكيد ثمَّ حذفتِ الْيَاء لالتقائها سَاكِنةً مَعَ النُّون المدغمة ... وَهِنْدُ منادى [مبني على الضم] والمليحةُ نعت لَهَا [مرفوع] على اللَّفْظ ... والحسناءَ إِمَّا نعت لَهَا [منصوب] على الْموضع ... وَإِمَّا بِتَقْدِير أمدح وَإِمَّا نعت لمفعول بِهِ مَحْذُوف أَي عِدي يَا هِنْدُ الْخُلَّةَ الْحَسْنَاءَ».
(6) المذكور هنا هو الفعل المتعدي الذي ذكره ابن دريد ونقلنا نصه أعلاه، وثمة الفعل اللازم المشهور وجِي أي حفي، ولا تسقط فاؤه لفتح العين، جاء في (الصحاح) للجوهري، (6: 2519) «وَجِيَ الفرس بالكسر، وهو أن يجد وجعًا في حافره، فهو وَجٍ والأنثى وَجْياءُ. وأوْجَيْتُهُ أنا».