تأتي رواية شفرة بلال لأحمد خيري العمري مستفزة للعوالم الإبداعية ولاسيما حين يكون القارئ قد شاهد فيلم الإنمي (بلال) أو استفزته الرواية لمشاهدته؛ فهي ترتكز على أسلوب سردي مستمد من فكرة الفيلم ثلاثي الأبعاد؛ إذ تتداخل الأحداث برؤاها المتباينة عبر ثلاث زوايا هي: أمجد الحلواني السيناريست، الذي يجمع الأحداث التاريخية من مصادر مختلفة عن بلال الحبشي ويرسلها للطفل بلال، كما تسهم في بناء السيناريو للفيلم السينمائي (بلال)، وبلال الطفل المصاب بالسرطان الذي يقرأ الأحداث من منظور تجربته الحياتية، وأم بلال التي تسقط التجربة على مواقفها كمعلمة أوكأم، فيما تتحد رؤاهم جميعًا على الحدث الواحد المتعلق ببلال الحبشي الذي يستقل بزاوية الحدث التاريخي؛ الذي يقرأ التاريخ مستندًا على الحقائق الثابتة محاولًا ترسيخ القيم الإنسانية بعيدًا عن المنطلقات الدينية التي تقوى تلقائيًا كلما ازداد الشعور بقيمة الإنسان.
كما تتضح على مستوى الزمن؛ إذ تحكي الرواية ثلاثة أزمنة هي الزمن التاريخي الذي يعيشه بلال الحبشي، والزمن التاريخي الذي يعيشه كونتاكنتي البطل الموازاي في الثقافة الأمريكية، والزمن الذي تعيشه الشخصيات الثلاثة، وهذا الأخير يجمع بين ثقافيتين: هي الثقافة العربية والإسلامية المتمثلة في جذورالشخصيات، والثقافة الأمريكية التي تتمثل في الواقع، وهي أزمنة مختلفة إلا أنها تتحد في الفكرة.
هكذا ركزت الرواية على مناقشة الأفكار بعيدًا عن الشخصيات؛ معتمدة على رمزين من العبيد هما: (بلال الحبشي وكونتاكنتي)، فهما رمز لفكرة واحدة في ثقافتين مختلفتين، أمكن من خلالهما إعادة التأمل بعيدًا عن الانتماءات الدينية والعرقية، وبالتالي كان سهلًا نقض الشبه الواهية، وتسليط الضوء عليها من عدة زوايا، للكشف عن الحقيقة. لقد استطاع الكاتب من خلال الأبعاد الثلاثية للرواية أن يركز على جميع التفاصيل للحياة في الزمن الروائي والزمن التاريخي الذي يتداخل معه، فالرؤية التي تحجب من بعد تتضح في البعد الآخروهكذا، حتى تكتمل الرؤية في نهاية الرواية.
وتكشف الرواية عن الصدام الداخلي عند (أمجد الحلواني) فيما يخص قضية (الإلحاد)؛ إذ يضطر- وهو المشكك في وجود الإله والعقائد الدينية بما فيه الكتاب المقدس- إلى إقناع (بلال الطفل) بقضية التحررمن خلال شخصية كانت مبادئ الكتاب (القرآن) هي المبادئ التي ساهمت في تغييرها– ظاهريًا- لكنه استطاع حتى آخر منعطف من الرواية أن يظل بعيدًا عن منطقة الدين والكتاب ومحمد التي ظل يتعامل معها في إطار إنساني كوني؛ ويخترق شخصية بلال العبد المملوك، ويعزو تلك التحولات إلى ذلك الإحساس الداخلي البعيد عن العقيدة، ومن خلال هذه التصورات الإنسانية الشفافة في الحقوق المشتركة بين البشر، والأوضاع المتشابهة لهم سواء في الجاهلية القديمة أوالحديثة يصل أمجد إلى الجوهر.
إن مفتاح القراءة الوحيد لهذه الرواية هي الانفتاح على القراءة، قد تضطرب القراءة الأولى ولكنها مرة بعد أخرى تصبح قابلة للاستقامة والفهم بحسب تعددية القراءة اللامنتهية.
** **
د. دلال بنت بندر المالكي - أكاديمية وشاعرة - جامعة شقراء