خيارات الحياة، هل نسيرها أم تسيرنا؟
قد يكون مثل هذا التساؤل شيئاً من الماضي، وبالطبع فإن الإنسان يملك خيارات الحياة دائماً وأبداً، بإمكانه أن يسيرها ما دام يملك الإرادة والطموح، المثابرة والإصرار. لكن بين الثنايا ثمة أشياء أكثر خطورة، الوحدة، القلق، الريبة، الشك، الارتياب.. خيبة القناعات الزائفة. ارتياب، سجل الذاكرة المفتوح، الحياة في حي البادية، الانطلاق من نقطة الصفر البعيدة، مرور الزمن على الأبواب والمقاعد والبيوت والأجساد والقلوب، الحالة الاكثر تفسخاً في النفس البشرية، لطالما كان الارتياب دفيناً، يقتات على القلوب والمشاعر بأكثر الطرق دناءة، يسيطر على كل شيء وربما يأخذ بكل شيء إلى الموت.
ذيبان، الرجل الوحيد، الصندوق الأسود، خزينة الذكريات، الكتوم جداً، الخارق في مشيته، والمميز بنظرته الذئبية، لا أحد يعلم مايدور بداخله، غير أنه يعلم ما يدور بدواخل الآخرين، إنه الرجل الأكثر رتابة، الرتابة التي لا تسع مكاناً للمفاجآت.
ابن معتاز، الشاعر، المغني، صاحب الهجينيات، السامري، صاحب الحكايا والخايبات، الرجل الأكثر اناقة، صاحب الكرش، الملتذذ بالحياة أكثر من اللازم، الرجل الذي يدرك أن كلمات الغزل هي الطريق الأمثل لفراش دافىء، الرجل الذي ضعفت همته، والذي صارت الكلمات تضعه في الورطة تلو الورطة، صارت تفتح له كل أبواب الارتياب الموصدة.
مبارك، الكحلي، رجل الاشياء الناقصة، الحالم، الغريب دائماً، الرجل الذي نجح إثبات نفسه، صاحب الطريق الطويل والمليء بالعقبات، الرجل الذي وصل لقهر الحياة من حوله بلا خسائر.
حي البادية، مسرح الاحداث التي تعاقبت بين جيلين، كان يخاف كل منهما أن يكرر الآخر، إنها لعبة التساؤلات، لعبة الالغاز، لعبة الوقوع في الكارثة ومن ثم التخلي عنها، لعبة الحظ، باختصار، إنها حين يفتح المرء عينيه على عالم صغير لا يتجاوز شارعين وعمودي انارة، التعاقب ومسبباته، ما الذي يؤثر فينا أكثر من الآخر، الصمت؟ الحياة؟ الموت؟ الحقد؟ الغياب؟ الأنانية؟ أم أنه الارتياب؟
كلنا ذلك الشخص الذي ينسى أنه يتجه نحو الشيخوخة، أنه لا وقت للنهاية، لا وقت إلا للعيش في داخل الذكريات، في الفقاعة الاكثر هشاشة، كلنا ذلك الشخص الذي يبحث عن شيء ما يفقده، عن شيء ما يتمناه، عن شيء ما يختار أن يكون سماؤه. هنا قرر بدر السماري أن يطرح الأسئلة، أن يثير لعبة اللغز، أن يحول الحارة إلى لعبة شطرنج، ذكاء الراوي مع ذكاء القارىء، الاتساع في مقابل الاماكن الأكثر ضيقاً والأكثر ظلاماً، فثمة أشياء لدى كل إنسان يحاول التخلص منها، البعض خلاصه في حرقها، وثمة من يمحوها، وهناك من يتخلص منها بتدوينها.
** **
- أحمد صالح