حاورته: الكاتبة مريم الحسن
بعد إحراق روايته والتخلي عن الساحة الأدبية والانعزال التام، تعد عودة الأديب عبدالرحمن الدرعان رئيس نادي أدبي الجوف سابقاً إلى المشاركات من بعد غياب طويل حدث يستحق التأمل، هل وجد على الساحة الأدبية ما يستحق الرجوع إليه؟
هل لعودته أسباب ممكن أن يتحدث عنها؟
هكذا توجهت إليه في حوار حصري مطلقة عليه بعض الأسئلة الثقافية والأدبية والذاتية.
*لماذا تخليت عن رئاسة نادي الجوف الأدبي؟!
- لم يخالجني أي شعور بالرغبة في الانتماء لمؤسسة ثقافية رسمية من موقع المسؤولية . لم أشعر بالانسجام معها، ولكنني وقعت لأكثر من سبب في هذا الشرك، وعلى الرغم من المخاض الجميل الذي كان يقوده الدكتور عبدالعزيز السبيل آنذاك، ما يجعل الحلم أكثر دنواً من ذي قبل، إلا أننا في نادي الجوف وربما في أندية أخرى، كنا نفتقر إلى فريق عمل يؤمن إيماناً حقيقياً بالدور الذي يتوجب عليه، وقد ضاعف تلك المعضلة أننا في النادي نحاول تجاوز البدايات والانتقال من حالة الحيرة إلى العمل الجاد، لكنني أعترف بأن ثمة استثناءات حدثت بفضل بعض الأعضاء والمتطوعين والمهتمين بالشأن الثقافي في المنطقة، ليس بالقدر الذي يحقق الرضا تماماً إلا أن ذلك كان بشارة لقادم أجمل، وحيث تزامن هذا الحراك مع ترشيحي للعمل في مركز عبد الرحمن السديري الثقافي (مؤسسة عبدالرحمن السديري الخيرية) فقد كان من المتعذر أن أعمل بالكفاءة التي أنشدها بدون النجاة من مأزق الحساسيات المتعلقة بحالة التنافس بين النادي والمركز على الرغم من الخبرة التراكمية لدى المركز ووضوح رسالته وأهدافه منذ أكثر من ثلاثين عاماً .
لكنني وجدت فرصة للانسحاب من النادي لحساب إدارة تواقة للعمل بحماس وشغف وهو ما حدث آن أن تم انتخاب الأستاذ إبراهيم الحميد، الذي ساهم في توطيد العلاقة بين المركز والنادي بما يحقق خدمة المثقف في المنطقة .
* لماذا رغم مشوارك الطويل لم تنتج سوى مجموعتين؟
- قد يستدعي سؤالك ذلك السؤال القديم: لمن نكتب؟!
حسنا سأعترف بأنني كتبت كثيرا من النصوص القصصية بل وغامرت أحياناً في الذهاب إلى الشعر، وتماديت أكثر من ذلك وخضت في تجربة اللون . لكنني لم أطبع سوى مجموعتين لأنني أعتقد أن الكتابة تجربة ذاتية، أكثر منها وثيقة تتطلب طرفاً آخر هو القارئ للمصادقة عليها . منذ أن عثرت في هذا العالم على الكتابة اعتبرتها عزائي وحياتي السرية التي ألجأ إليها هربا من إكراهات الحياة وزيفها وقبحها ونقصانها .
ولم أكن أحفل كثيراً بالنشر، بقدر ما كنت ماهراً في إضاعة النصوص وإهمالها. ربما ساورتني حالة ندم في لحظات انفعالية غير أنه يبقى ندما لأنني أهدرت كثيرا من النصوص، بل وبعد الاعتماد على الكمبيوتر بدون إجادة التعامل معه تماماً، أو تقدير احتمال خياناته التقنية فقد تعرضت بعض المخطوطات للفقدان، الأمر الذي كبدني اليأس والإحباط وأصابني جراء ذلك بالحبسة لفترات متقطعة .
*ما قصة الرواية الضائعة في متاهة الكمبيوتر الخاص بك؟!
- في عام 2003 بدأت بكتابة نص لم أتقصد أن يكون مخططاً لرواية، كنت في حالة لعب مع الكلمات، لكن النص كان يتفلت ويتشكل حتى وجدتني محاصرا بشخوص وأحداث توقظني من نومي لتكمل طريقها، وهكذا عثرت على نص يمكن أن أزعم بأنه نص روائي، لكن الجهاز كما أوضحت في الإجابة السابقة خاتلني وابتلع النص بكامله، ولم أتمكن على الرغم من كل المحاولات من استعادته .
كانت تجربة سيئة، شلت يدي لفترة طويلة، لكنني الآن تعافيت منها باعتبارها تمرين إحماء، ولا أود أن أقف عليها أو أتذكرها .
*في رأيك هل ق ق ج هي من جنس القص؟!
- لا أستطيع أن أزعم بأنني مؤهل لأكون قيما على هذا النوع من السرد، كما لا يمكن إطلاق حكم تجاه تجارب خاضها كثيرون من كتاب القصة ومبدعوها على أساس تجريبي، ولكنني - وهي مسألة ذوقية بالدرجة الأولى - أتحفظ على أي فضاء يوفر مساحة للأصوات البليدة، من الأدعياء الذين يلتقطون مادة إبداعهم الرخيص بلا خبرة أو دراية أو تجارب عميقة . ولو شئت للاستشهاد بالأمثلة فإن (قوقل) سيوفر في غضون دقيقة آلافا من النماذج على جمل تافهة لا تمت إلى فن القصة بأي صلة في مقابل النصوص النادرة التي تعبر عن هذا الفن المكثف البعيد عن الحشو والركاكة، ذي الجودة التي تظهر فيها خبرة الكاتب ومهنيته، وهو ما ينطبق أيضا على الشذرة التي أصبح شارع تويتر حاضنة لها .
* ثمة أمكنة وأزمنة وشخوص تعيش في عالم القصة القصيرة، كيف تفسر هذه العلاقة ضمن مفهوم البناء أو السرد القصصي؟
- من البدهي أن ثمة شروطاً تقيد النص وتهبه هويته، من بينها فيما يتعلّق بالقصة القصيرة في شكلها التقليدي - المكان والزمان والشخصيات - والكاتب الذي يلتزم بهذه العناصر يتعين عليه أن يخرجها من مختبره السردي ناضجة ومتواكبة مع بعضها بحيث يمكن تمثلها، غير إنه تجدر الإشارة إلى أن تحولات حادة عصفت بالنمط التقليدي وأصبحنا نقرأ نصوصا (قصصية وروائية) متشظية لا تخضع تماما لهذه الشروط، وأظن أن التداخل بين الأجناس الأدبية هو ظل وانعكاس لما يحدث في حياتنا التي تبدلت فيها مفاهيم الزمان والمكان والخطاب والقيم .
*هل تؤمن فعلاً بما يقال عن موت القصة؟
ثمة من كتب (زمن الشعر) وجاء من يجتر رثائية (موت الشعر) والآن لا يني كثيرون من يحمل راية الناعي ويعلن عن موت القصة القصيرة، لحساب صعود الرواية. أعتقد أن هذه الأصوات تقرأ المشهد بشكل أحادي وغير موضوعي، مستندين إلى افتراض تنافسية متضادة بين شكل أدبي وآخر، وهم لا يرون إلا من منظور ثنائية الحياة / الموت، ولعل مثل هذه الإعلانات الإشهارية تعتمد على آلة إعلامية موجهة، تعتمد على قراءة إحصاءات من دور النشر والمؤسسات المعنية بالكتاب، وهم ليسوا على خطأ بالمطلق . قد نعترف بانحسار القصة القصيرة، كما انحسر الشعر لصالح الرواية باعتبارها فناً جديداً على بيئتنا العربية قياساً على تاريخها الطويل في أوروبا على سليل المثال، ذلك لأن القارئ قد يعثر في هذا اللون الذي لا يزال في مرحلة عذريته على الشعر والقصة والحكاية والأسطورة والفلسفة وهو ما يدعونا للادعاء بأن الميل الداخلي في القارئ للقصة وللحكاية والشعر والأسطورة هو ما يجعله يتداعى على قراءة الرواية كفضاء يجمع كل هذه الألوان .
*بعد غياب طويل عن الساحة الأدبية ما سبب عودتك ومشاركتك في مهرجان بيت السرد للقصة القصيرة؟
- لست غائباً تماماً، ربما كنت في حالة إحجام عن المشاركات في الفعاليات، لأسباب شخصية، إلا إنني أزعم بمتابعة حركة المشهد إلى حد كبير، وقد كانت دعوة بيت السرد في جمعية الثقافة والفنون المتألقة بنشاطاتها كافية لكسر عقدة عدم الرغبة في المشاركة، تقديراً لهذا الفرح الذي يصنعه الأصدقاء في هذه المؤسسة على الرغم من ضعف إمكاناتها، وتلويحة لهؤلاء المتطوعين بطاقاتهم ووقتهم لرفع مرساة الفرح وإنعاش الزرقة للبحار التي عاث فيها الشحوب، والنوافذ التي صادر الضجيج هدي الحمام في أفاريزها .
*هل لديك مشاريع أدبية قادمة؟
- لدي أكثر من مشروع أرجو أن يمنحني الحلم والوقت فرصة لإنجازها .
*حدثنا عن تجربتك في المهرجان.
- لا يكفي أن أدون موشح مديح للقائمين على هذا المهرجان، ولكنني عدت وأنا أهجس بالقول: كم من الندم سوف يعتريني لو لم أتشرّف بهذا اللقاء الجميل .