كنت أعرف أن الابن سالم نُقل من السليل إلى الرياض في حالة إنقاذ حياة، وكنت أنتظر دومًا اتصالك تطمئنني عن الجديد في الحالة؛ لأنك -كما نعرف- قريب من سالم في السراء والضراء..
أواه يا عبدالله..
أتى اتصالك.. تسارعت دقات القلب.. لا أدري؛ فقد يكون إشعارًا بأن الخبر قادم.. وتقول يا عبد الله بكلمات متثاقلة:
أبي، لقد انتقل سالم إلى رحمة الله.
أواه يا عبدالله، حزن أطول من قامتي.. قلت فورًا {إنَّا لله وإنَّا إليْهِ رَاجِعُون}.
عزاؤنا أنها دنيا نودعها
وكل من سار فوق الأرض مرتحل
هذا هو العلم، قاس فقدُ صاحبه
جرحٌ وأنَّى لهذا الجرح يندمل..؟!
رحل سالم سعيد آل كبدان، الشاب الخلوق المبتسم الخدوم المحبوب من جميع أطياف مجتمع السليل.. هكذا كان الجميع يطلق عليه..
رحل سالم دون وداع، هكذا أنت يا سالم.. حتى في رحيلك عن الدنيا رحلت بصمت..
لم تكن تشتكي شيئًا من مرض.. كنت في عملك تصرف العلاج للمرضى.. كنت تضمد جراح المرضى.. وتحقن الآخر بحقنة، وفجأة تسقط في مقر عملك..
قيل سالم نُقل إلى العناية الفائقة. قال أحد المرضى: قبل دقائق كان يضمد جراحي.. هكذا هي الحياة، لها نهاية.
يا سالم.. وأنت في السرير ممدد حار الأطباء بكل درجاتهم العلمية في تشخيص الحالة؛ لا شيء في الأشعة، لا شيء في التحاليل والتشخيص..
حالة نادرة كما أنت نادر في خُلقك وتعاملك، حتى ابتسامتك نادرة..
يا سالم.. جموع كثيرة شيعتك من المسجد للمقبرة، والكل يدعو لك بالرحمة والمغفرة.
يا سالم.. لا تسمع ندائي أقول: والنادر جدًّا أن يبقى عدد من المشيعين بعد الدفن أكثر من ساعة حول قبرك كلهم يدعون، لم يبتعدوا عن القبر. وهناك دموع ونحيب.. إنه الحب الذي يزرعه الله سبحانه في قلوب البشر للآخرين..
جاء زملاؤك من مناطق ومحافظات مختلفة للتعزية..
يا سالم مصابنا فيك جلل، والدك ووالدتك وأشقاؤك وزوجتك وأطفالك (سارة ونورة وسعيد)، وكل الأقرباء، وكل الأصدقاء.. الكل يعزَّى فيك. رحمك الله رحمة واسعة، وجعل الجنة مثواك.
يعرف الجميع أني أعتبرك واحدًا من أبنائي بحكم القرابة. كنتَ دومًا تناديني «أبوي.. مبارك».. ترعرعت مع أبنائي، خاصة عبد الله توأمك وزميلك في العمل الصحي.. فأنت ابن خالته، ووالدك ابن خالتي..
ليت الرحيل خيال ليته حلم
يا ليته كذبة في شهر إبريل
آه.. إنه جرح قديم في القلب لا يندمل.. يتجدد كلما خطف الموت عزيزًا لدينا:
هذا طريق قد ألفناه
نمشي وراء مشيع غال
كم من حبيب قد بكيناه
لم يمح من خلد ولا بال
** **
- مبارك بن محمد الفاضل