سلمان بن محمد العُمري
اضطّر «ابن» بار تجاوز الستين من عمره إلى أن يجري العملية الجراحية في مدينة خارج المدينة التي يسكنها عامداً متعمداً، وكل هذا حرصاً منه على ألا تفقده أمه وتنشغل وتقلق عليه فهو لا يريد أن يزعجها بخبر هذا العارض الصحي الذي أصابه، ولا يمكن أن يغيب عنها بضعة أيام في المستشفى، فأبلغها بسفره وهو صادق لمدة أسبوع من أجل مشاغل لزمته، وودع أمه وقبل رأسها وسافر، وأجرى العملية وعاد من السفر، ومن العلاج ولم يخبرها أيضاً بما قام به، ونبه إخوانه وأخواته وزوجته وأبناءه ألا يشعروا أمه بذلك مراعاة لمشاعرها ورأفة بها، وحتى حين اكتشف ما به من داء لم يزعجها ولم يخبرها بما يعاني.
يبقى الابن طفلاً في عين أمه ولو كان جداً وعلا الشيب رأسه فحنان الأم لا يتغير مع الزمن، ولذا فهي تسعد لسعادة أبنائها وتضيق لما يضايقهم أو يكدرهم. وكثير -ولله الحمد- من يدركون هذا الأمر ويتجنبون ما يكدر على آبائهم وأمهاتهم، خاصة من تقدم بهم السن فأعمارهم وأحوالهم الصحية والنفسية قد لا تتحمل بعض الأخبار المزعجة وما قام به هذا الرجل من عمل هو ما يجب أن يكون عليه كل ابن وابنه أن يعملوا قدر المستطاع ألا يبلغوا أمهاتهم وآبائهم من كبار السن بما يزعجهم حتى وإن تصنعوا الابتسامة أمامهم وهم يتجرعون ألم المرارة من بعض منغصات الحياة ومكدراتها.
وإزاء هذا الموقف الإيجابي من الرجل «الابن البار» فلا بد أن يدرك بعض المزعجين لوالديهم ممن يتشكون لهم من ظروف الحياة ومشاكلها ونقل الأخبار السيئة لهما إن لم يكونوا هم بتصرفاتهم من أقوال وأعمال سبباً في إزعاج والديهم، فالأمومة والأبوة رغم تقادم العمر تبقى حية إلا أن الظروف الصحية لكبار السن تستحق وتستوجب أن تراعي من الجميع، خاصة الأبناء بعدم تكدير الوالدين وإزعاجهم بصفة مباشرة أو نقل ما يكدرهما.
وإذا كان جبر الخواطر ومراعاة المشاعر لدى الآخرين من مكارم الأخلاق ومما ندب إليه الشرع فإن الوالدين أولى وأحق بهذا العمل النبيل؛ بل هو من أبر البر برهما ألا تزعجها ولا تتسبب في إزعاجهما ولا تنقل لهما عنك ولا عن غيرك من قريب أو صاحب إلا كل خير.
إن بعض الناس حينما يزور والديه يبدأ بنشر الأخبار السلبية والتذمر من أحواله وممن حوله ويتشكى، ولا يدري أن كل خبر عنه وعن قريب له إنما هو سهم في فؤاد أمه أو أبيه فتكون زيارته نكداً عليهما.
إن الواجب يتحتم أيها الابن أن تخبرهما بكل ما هو سار من أخبار خاصة أو عامة أو تذكرهما بمواقف طيبة من أقوال وأعمال لهما فتدخل السرور عليهما، ولا تكون زيارتك نكداً ومثاراً للأحزان وتنكأة الجراح.