«الجزيرة» - متابعة - محمد المنيف:
زيارة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز إلى متحف اللوفر، التي صاحبه فيها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ضمن برنامج زيارة سموه إلى فرنسا، وما شاهده ولي العهد لمقتنيات المتحف الشهير، وتفقده أركانه، بما فيها من مقتنيات أثرية وفنية وتاريخية، كما جاء في خبر الزيارة، تؤكد اهتمام سمو ولي العهد بالثقافة والفنون وتاريخهما، كما تكشف للعالم أنه في كل زياراته الدولية يجمع حماية الأرض ببناء الإنسان في مختلف مناحي الحياة. هذه الزيارة للمتحف تعيد لنا ما صرَّح به سموه في حديث سابقًا إلى صحيفة التايم بحبه الفن، وإيمان سموه بأن أي شخص يمتلك ذوقًا رفيعًا يجب أن يحب الفن ويقدره. مضيفًا سموه: هناك العديد من الفنانين الرائعين حول العالم. أوضح أنه لا يمكنه أن يحدد شخصًا منهم ليكون فنانه المفضل.
هذه الكلمات وتلك الجولة من سموه في متحف اللوفر لا يمكن أن تمر مرور الكرام بالنسبة للمثقفين المحليين والعالميين على اختلاف فنونهم، ومنهم الفنانون التشكيليون الذين يعنيهم متحف اللوفر الذي يضم كنوزًا، تمثلها لوحات فنية من كل العصور، مع ما كشفته الزيارة أن سموه لم يكن بعيدًا عن تفاصيل بناء الإنسان الذي يقود أسسها الحديثة ضمن رؤية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز -حفظه الله- ويقوم على تسييرها وتنفيذها سموه، مع ما يحمله أبناء المملكة من الفخر بما تم من نجاح لزيارته التي اشتملت على جوانب سياسية، وتطوير عسكري، وبما رافق سموه من فعاليات ثقافية.
مشاعر التشكيليين واستشرافهم للمستقبل
لقد شعر التشكيليون وهم يتابعون جولة سموه بأنهم أمام مستقبل مشرق لإبداعهم في منظومة الاهتمام بكل نواحي الإبداعات الإنسانية من روائيين وقاصين وشعراء، وعلى أعلى مستوى. كما أن زيارة سموه للمتحف تعيد للذاكرة ما أشار إليه سموه في أحد لقاءاته للتعريف بأهداف وبرامج رؤية (2030) حينما أعلن سموه الكريم عام (2016) خلال مؤتمر صحفي النية لإقامة أكبر متحف إسلامي في الرياض، وقال عنه الباحث البريطاني باتريك كوكبيرن إن المتحف سيكون أكبر متحف إسلامي في العالم، وسيتسنى للعالم معرفة الوجه الحضاري الجميل للمملكة من بوابة الثقافة، مهنئًا السعوديين برؤية 2030 التي أعطت للفن والتاريخ حيزًا من الاهتمام.
المتحف الذي سيقام في العاصمة الرياض - كما جاء في الأخبار والتصاريح - يحمل الكثير من الإيجابية؛ للوقوف على التاريخ الإسلامي العريق باعتماد أحدث وسائل الجمع والحفظ والعرض والتوثيق. كما سيأخذ المتحف زواره في رحلة عبر الحضارة الإسلامية بشكل عصري وتفاعلي، إضافة إلى احتوائه على مكتبة ومركز بحث على مستوى عالمي عودًا إلى ما تمتلكه المملكة من مواقع أثرية، تبلغ 500 موقع تاريخي إسلامي؛ وهو ما يخولها الحق في إقامة المتحف الإسلامي الذي سيكون وجهة الملايين والآلاف من السعوديين والسياح القادمين إلى المملكة خلال رحلات الحج والعمرة.
الفنون السعودية ومتحف الفن الحديث
لقد كان لتوجيهات ولي العهد الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله- لإقامة علاقات واتفاقات ثقافية في كل دولة عالمية في مجالات الثقافة والأدب مبعث للأمل، وتقريب لتحقيق حلم المبدعين في مختلف الفنون الجميلة، وخصوصًا أن تلك الاتفاقات التي شملت أهم الدول الشهيرة بالفنون، ومنها فرنسا وبريطانيا وإيطاليا، تعيد للأذهان النية أيضًا بأن يكون للفنون السعودية المعاصرة متحف كما أعلن سابقًا عام 1437هـ باسم (المجمع الملكي للفنون)، ونجزم بأنه لن يكون أقل من متاحف العالم، بل يوازيها، ويجمع الفنون، القديم منها والمعاصر، وبمختف التخصصات، من مسرح وموسيقى وفنون بصرية ورسم ونحت.
الفنون والإنسان في المملكة
لا يمكن فصل المملكة العربية السعودية أرضًا ومجتمعًا عن بقية شعوب العالم؛ فلها من الفنون نصيب كبير على مختلف مراحل التاريخ.. وتُعد أرض الوطن مناجم وكنوزًا للفنون عبر التاريخ، تؤكد أصالتها بتراثها الملموس والمسموع.. وبهذا الكم من الإرث يمكن إبراز ما يحدث حاليًا في المملكة، وفي هذا العهد بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، من اهتمام كبير بما أبقاه الأوائل على مر عصور الجزيرة العربية، أو ما يبدعه الأجيال المعاصرة التي تتحرك نحو التجديد والتطوير بعقول أبناء الوطن المختصين الذين لا تألو الدولة في تهيئة الإمكانيات لهم؛ ليستحضروا كل أشكال الإبداع مكملين بها ما ورثه الأجيال من العصور السابقة، بما يسهم في الحضارة الحديثة للمملكة.
واليوم يقف كل المبدعين على اختلاف مشاربهم ومواهبهم وخبراتهم في هذه المرحلة؛ ليلتقوا مع بقية أبناء الوطن لتحقيق رؤية (2030)، المرحلة التاريخية لصنع نهضة سعودية حديثة، تخرج بالأمة من حالة الجمود إلى الانفتاح، بالعمل الجاد في كل العطاءات الإنسانية من أجل التوازن والتوازي مع الواقع المعاصر عبر بوابة الإبداعات الإنسانية التي يتمتع بها أبناء الوطن القابلة للتطوير متجاوزة أي معوقات قد تحول دون ممارسة التفكير الحر المستقل المحاط بالثوابت من قيم ومبادئ الدين الإسلامي، وتحترم فيه سبل الاختلاف الواعي والعميق لقبول الآراء والأفكار التي تتمخض عنها ثمار يانعة، يكون الاختلاف فيها صفة من الصفات الجمالية، وتساهم في تقوية وإرساء دعائم التفكير المؤدي للإبداع الإنساني، منها الفنون بكل صورها وأشكالها التي يجيدها ويجيد الابتكار فيها أبناء الوطن.
اهتمام مبكر من ولي العهد بإبداعات الوطن
ما يقوم به سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله- بما يحقق توجه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز -حفظه الله- في كل تفاصيل بناء الإنسان السعودي؛ ليواكب النهضة الحضارية الكبرى القادمة لم يكن مستغربًا من سمو ولي العهد، ولم تكن الفنون التشكيلية بعيدة عن اهتمامه الشامل؛ فزيارته لمتحف اللوفر أعادتني إلى زيارة سموه وافتتاحه معرض (وفاء الخيل عام 1423هـ) في صالة الأمير فيصل بن فهد بمعهد العاصمة، وتشرفتُ (كاتب المقال) بالمشاركة في استقبال سموه وقت إدارتي صالة المعرض الذي نظمه بيت التشكيليين بجدة.
وضم المعرض أكثر من 60 عملاً تشكيليًّا لثلاثة وعشرين فنانًا وفنانة، اتخذت جميعها من الخيل والفروسية موضوعًا لها، كتعبير عن الوفاء لعاشق الخيل الأمير أحمد بن سلمان -يرحمه الله-.
وشارك فيه كل من الفنانين: طه صبان وهشام بنجابي وعبد الله إدريس وناصر الضبيحي وسليمان باجبع ومقرح عسيري وسعيد قمحاوي ورضا معمر وفهد الغامدي ومحمد زكي وعبد الله العقيلي ومحمد الشهري ومحمود غرباوي وباسم الشرقي وعمرو بادغيش ورحمة علي سعيد وعمران القيس والشيخ إدريس وليلى طه وعلي سليمان ورندا الملاح ومحمد الرباط ووهيب زقزوق وفهد حواري ويحيى الكعبي.
كنا خلال جولة سموه على المعرض ننصت للحوار والنقاش الذي يطرحه على الفنانين؛ إذ كان يدل على بُعد نظر سموه في مجال الفنون في ذلك الوقت؛ لنعود اليوم بالربط بين تلك المناسبة وما يتحقق اليوم للمبدعين في هذا العهد من اهتمام على أعلى مستوى، وفي كل التخصص.