ميسون أبو بكر
في زمن الحرب الذي نعيش فيه تتردد في ذاكرتي جملة الشاعر الكبير نزار قباني «إنني أكتبُ لتصبح مساحة الفرح في العالم أكبر، ومساحة الحزن أقلّ، أكتبُ لأغيّر طقس العالم.. وأجعل الشمس أكثر حنانًا.. والسماء أكثر زُرقة.. والبحر أقلّ ملوحة.. إنني أكتبُ حتى أتزوّجَ العالم.. حتى أتكاثر.. حتى أتعدَّد.. حتى أصبح 150 مليون نزار قباني»
جملته تلك تقودني لتساؤلي المشروع: ماذا كتب الشعراء والأدباء في عصر الحرب هذا؟ وهل أثر المثقفون في جيل التقنية وضحايا الزمن الصعب؟
العالم الذي يتسع للجميع حسب شعار منظمة سلام بلا حدود التي يرأسها الإعلامي المتميز محمد العرب هو عالم خلع أثواب الإنسانية وارتدى خوذة معدنية وملأ رصاصات مسدسه بالعيارات النارية، وأضرم حريقه في القصائد، ومزق الكتب الأدبية والروايات الرومانسية وتحول جنديا شرسا في ساحة حرب يقودها الجشع الإنساني في سباق محموم وغير مسبوق ووحشية لا إنسانية تغير وجه الكون الجميل الذي يضيق اليوم بساكنيه ويتجاهل على مرأى من العالم الاحتفاء بمبدعيه الراحلين منهم الذين أثروا ساحة الأدب.
العنوان العريض في صحيفة الشرق الأوسط قبل أيام: «جبران خليل جبران الأديب العربي الأشهر في الصين منذ 80 عاما» جعلني أشعر بالخجل أن تمر ذكرى وفاته في معقل عروبته دون أن يحتفى بفكره ونثره، بينما تقيم الصين مظاهر الاحتفاء بكاتب عربي أسس لفلسفة وثقافة حياة ووصلها عبر ترجمة أعماله.
تقول نائبة رئيس جمعية البحوث في الأدب العربي في الصين: إن كلمة لبنان تجعل الصيني يتذكر الحرب والاغتيالات في لبنان، لكن من قرأ لجبران عرف إن لبنان هو بلد الحضارة والجمال والشعب القدير،
للأدب الأثر الكبير في المجتمعات، وفي زمن الحرب سأعيد السؤال الذي بدأت به: ماذا كتب المثقفون وكيف وجهوا الشعوب لنصرة أوطانهم، وهل كانوا بوصلة الوطن وقارب النجاة بشعوب هم قادتهم الحقيقيين وعليهم مسؤولية كبيرة قد تفوق كل الوسائل الأخرى؟
القلم جندي قدير وفاعل في ساحة الحرب، والكلمة هي معركة الحياة العادلة التي حبرها ذو شجون .. ولا يمكن أن تطيش رصاصة القلم لتقتل جسدا أو تدمر وطنا.
المثقف في زمن التقنية التي سيطرت على البشر بكل أطيافهم لا بد أن يستعيد ألق العبارة وأن يكون فكره وفلسفته نبراسا ينير في ظلمات فضاء افتراضي حاصر عشاق التقنية الفارين من عالمهم.
اكتبوا وترجموا وسافروا عبر رحلة الكلمة إلى مرافئ نائية وأخرى قريبة، ولتحتفوا بكل من ترك أثره عبر حرفه ليرسم خارطة عالم لا حدود له، تعبره بدون تأشيرة سفر.
تحية إلى جبران.. محمود درويش غازي القصيبي.. الماغوط.. عرار.. وإلى كل الذين يضيق المقام بذكرهم في أشرعتي الذين رسموا لأوطانهم حدودا أكبر من تلك على خارطة الواقع، والذين سافروا بنا دون أن نتحرك قيد أنملة بعيدا عن كتاب مفتوح مليء فواح بأنفاسهم.