زكية إبراهيم الحجي
تترك الحكم والأقوال المأثورة التي نقرؤها صدى طيباً في نفوسنا ربما لأنها تفسر واقعاً نعيشه..أو أنها تصف مرحلة عمرية مررنا بها وأصبحت اليوم في طي النسيان وخبايا الماضي.. ومع ذلك تظل كثير من هذه الحكم والأقوال عالقة في الذهن نستشهد بها في كثير من المواقف التي نمر بها في حياتنا.. كما نجد أن البعض ممن حباهم الله ملكة التعبير والإيجاز يدون ما يمر به من أحداث ومواقف بعبارات قوية ومؤثرة أشبه بالحكمة أو الموعظة وتبقى متداولة بين الناس لقوة تأثيرها وجمال صياغتها.
لا أظن أن أحداً منا لم يسمع أو يقرأ عن العالم الكبير «ابن سيرين» ولا أظن أن أحداً منا لا يحتفظ في رفوف مكتبته المنزلية على بعض من ثمرات كتبه وفي مقدمتها كتابه الذي أُشتُهِر به «تفسير الأحلام» رغم كثرة الشبهات التي حامت حول صحة نسبته إليه ذلك أنه مع كثرة ثناء العلماء على»ابن سيرين»إلا أنه وكما قيل لم يذكر أحد منهم قط أنه ألف كتاباً لتفسير الأحلام.
بدأ ابن سيرين حياته بائعاً للأقمشة.. وتروي كتب التاريخ أن لقبه يُنسب لأمه التي تدعى سيرين وكانت من السبايا عندما افتتح المسلمون بلدتها القريبة من الكوفة.. ويبدو أن نسبه لأمه كان دثاراً مثقلاً بمشاعر الحب والدفء الممزوج بالهيبة والخضوع ولِما لا يكون ذلك؟ أليست هي الأم.
ابن سيرين أمير البر والطاعة والإجلال لأمه.. يُروى أنه إذا دخلت أمه البيت اكتست وجهه وضاءة موشومة بالطاعة والخضوع والهيبة وما أغربنا اليوم عمن عاشوا بالأمس..اليوم التأفف والزجر والتوبيخ باتت في شرع بعض أبنائنا تجاه أمهاتهم وهم قلة بإذن الله
وفي عجالة أُعرج على قصة إراقة الزيت التي التصقت بابن سيرين قصة دونت في سجلات التاريخ لتكون مناراً لأولئك الذين يحرقون سنابل القمح حفاظاً على سعره من الهبوط.. تشير القصة بأن ابن سيرين اشترى زيتاً بدين مؤجل وعندما فتح وعاء الزيت وجد فيه فأراً هالكاً فأراقه درءً للشبهة وخشية أن تكون نجاسة قد أصابت الزيت.. وسُجن ابن سيرين نتيجة إفلاسه وعجزه عن دفع الدين المؤجل الذي اشترى به الزيت ومكث في السجن إلى أن أتاه خبر وفاة الصحابي الجليل أنس بن مالك وكان قد أوصى قبل وفاته على أن يجهزه ويكفنه ابن سيرين إلا أنه رفض أن يُطلق سراحه قائلاً.. لا يملك حق إطلاق سراحي إلا صاحب الدين.. فما كان من صاحب الدين إلا أن أذن له وفي طريقه لتنفيذ الوصية مر بجوار بيته فتنحى إلى الجانب الآخر من الطريق خشية أن يستظل بجدار بيته فيقال أنه خرج لمصلحة غير التي خرج من أجلها.
ابن سيرين نقش اسمه عالياً ليبقى مثالاً للورع والتقوى وصفحة ناصعة للبر بوالدته .