أ.د.عثمان بن صالح العامر
فرق بين من يتبنى القضية أياً كانت من مبدأ قيمي إنساني مرتكزاً في الأساس على منطلق ديني عقدي صرف، يفيض هذا البعد القلبي أخوة وعطاءً، عدلاً وإنصافاً، وبين من يجعلها شعاراً يتاجر به، يستدر بكلامه المعسول وخطاباته الرنانة وراياته المضللة مشاعر الشعوب ويدغدغ عواطف العامة البسطاء الذين لا يجيدون فن إقامة البراهين العقلية، ولا يملكون مهارة قراءة الأدلة الرقمية، ولا يتقنون عقد المقارنات ومقارعة الدعوى بالحجج الدامغات، يحركهم قيل وقال ذات اليمين تارة واليسار تارات؛ ولعل قضية فلسطين التي قال عنها خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله ووفقه ورعاه - في ثنايا كلمته الافتتاحية للقمة العربية التاسعة والعشرين - المنعقدة في الظهران شرق المملكة العربية السعودية مطلع هذا الأسبوع تحت شعار (القدس) - هي (قضيتنا الأولى)، خير مثال يمكن أن يُساق لتميز أوصاف أصحاب الصفين، ولبيان الفرق الحقيقي بين الصنفين، فقياداتنا المباركة ممثلة بخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز حين يتبنون هذه القضية ويدعمون الفلسطينيين مادياً ومعنوياً، سياسياً واقتصادياً وإعلامياً و... يستشعرون مسؤوليتهم الدينية والعروبية والإنسانية عن حماية المقدسات الإسلامية وأهلها، ولا يكترثون بما يقوله أدعياء القضية وطابورهم الخامس سواء من الفلسطينيين أنفسهم - الذين ربما يكونون من أوائل المستفيدين مما تقدّمه هذه البلاد المباركة من عطاء هو منّة وفضل من الله أولاً ثم من قيادة المملكة العربية السعودية - أو من غيرهم دولاً وأحزاباً وجماعاتٍ وأفراداً.
إن من مواطن الفخر والاعتزاز لكل منا نحن الشعب السعودي في هذه البلاد المعطاء الخيّرة المملكة العربية السعودية أننا ننتمي لوطن يولي جميع البقاع التي اختصها الله عزَّ وجلَّ بميزة لا مثيل لها في أرض الرب الواسعة جلّ اهتمامه ورعايته بشكل لا نظير له في التاريخ، والأرقام هي اللغة التي لا يمكن أن تجامل أو تحابي أو تزيف الحقيقة وتبدل المواقف.
نعم، إنه موقف يغيظ أعداء الوطن ويسوء تجار القضية وأدعياء المطالبة بحق الفلسطينيين، فهو في الوقت الذي جاء الجواب فيه ما تراه من موقف معلن صريح واضح وتبرع سخي ودعم مادي جزيل - مقداره 200 مليون دولار وهذا رقم لا يمكن أن تقدّمه غير المملكة - لا ما تسمعه من جعجعة ليس وراءها إلا تغريدات التويتريين وكتابات المطبلين المرددين للأمنيات والاتهامات بلا سند شرعي صحيح، أقول هو في ذات الوقت موقف تظهر فيه للجميع الاستقلالية السعودية واضحة والقوة في المطالبة بالحق المسلوب بيّنة جليّة، إذ صدح ملك العزم والحزم بكل مصداقية وشفافية ووضوح إعلان أن القضية الفلسطينية هي (قضيتنا الأولى وستظل كذلك، حتى حصول الشعب الفلسطيني الشقيق على كل حقوقه المشروعة وعلى رأسها إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية... التي هي جزء لا يتجزأ من الأرض الفلسطينية).
هل بعد هذا قول للأدعياء يمكن لهم أن يسوقوا به لأنفسهم؟؟؟، لتذهب مؤتمراتهم وخطاباتهم ومقابلاتهم إلى مزبلة التاريخ، ولتبقَ شاهدة عليهم لا لهم أمام شعوب الأرض قبل ساسته ومفكريه ومثقفيه وكتّابه. حفظ الله لنا المليك وولي العهد وأدام لنا الفخر والعز، ودمت عازماً حازماً يا وطن المجد والإباء، وإلى لقاء والسلام.