علي الصحن
مثل فارس أصيل يختار الوقت المناسب لوضع نصاله بدقة متناهية في الهدف، لا ينتظر ابتسامة الحظ ولا محاسن الصدف، مثل هلال السماء الذي لا يلبث أن يعود بدراً، لا يحيد عن مساره، بعد أن يمر بكل أطواره، مثل سحابة سخية لا تلبث أن تجود بمائها، وجميل عطائها، مثل نهر جار زلال، ينثر على جنباته الحياة والجمال، مثل كل الأشياء التي تخفق بالحياة، وتحمل أعذب الصفات، ومثل كل ما يأسر الألباب ولا يعرف الغياب ولا يرضى بغضب الأحباب، يطل فريق الهلال من شرفة الذهب على مرافئ الذهب.... قمر منير مشع لا تجاريه كواكب ولا شهب.
موسم طويل صعب متعب مرهق معاً مر على النادي الكبير، مراحل مختلفة وظروف متباينة تناوبت عليه، غيابات وإصابات ضربته مع الخاصرة، أحاطت به طويلا إحاطة السوار بالمعصم، وكادت أن تمنحه تصريحاً بغياب لم يعتده منافسوه قبل مدرجه. أمور لو مر بها غيره لربما كان ترتيبه في مراكز الوسط أو دون ذلك، والشواهد كثيرة على ذلك.
لكنه الهلال لا يبعد حتى يعود، لا يتأخر إلا لكي يطل من علو، لا يتراجع إلا ليعود في المقدمة، لا يخسر لقباً إلا ليفوز بما يليه، ولا يتعب مدرجه يوماً حتى يحمله على كفوف الراحة أياما.
في موسم رآه بعض الهلاليين حالكاً موجعاً، وظنوا فيه أن رياح الألم ستلفح وجه فريقهم وترهقه، وترسم آثارها على ملامحه، وتتركه يندب حظه، عاد النادي الكبير كما يليق به وبتاريخه من الباب الواسع، عاد ليشرب الماء صفواً، ويكتب مجداً، ويصنع بالأرقام كما يفعل كل عام.
متغيرات سريعة مر بها النادي الآسيوي الأكثر حضوراً ومنجزاً، النادي الذي يتوسد صدارة الأندية في القارة الصفراء رغم غيابه الطويل عن منصتها، متغيرات ساهمت في تراجع رتمه وقوته على نحو ما، لكنها في النهاية انكسرت عند عتبة بابه، وبقي كما عهده منافسوه ويحفظه محبوه قوياً عصياً، قوياً صلباً صلدا، وكما يفعل خيل أصيل غلى دمه واستيقضت همته واشتاق لقمته في الأمتار الأخيرة، نسي همومه وآلامه وجراحه، وانطلق لا يلوي على شيء ليجدد أفراحه، ويعود سيرته الدائمة الأولى بطلاً متوجاً له موقع الصدارة بكل جدارة.
الهلال بطل الدوري السعودي، من كان سيفعلها لو مر بما مر به الهلال، من كان سيتصدر لو أن الرياح عصفت كما حاولت أن تهز صدارة الهلال؟
هل هي ثقافة الهلال التي صيرته بطلا على الدوام، وجعلته حاضراً لا تغيب عنه الشمس، وأكدت غير مرة أنه رقم ثابت وإن تغير منافسوه؟
هل هو التأسيس المثالي للفريق الأمر الذي جعله قادراً على تحمل كل الظروف، وتجاوز كل العقبات، حتى قيل إن (الهلال يمرض ولا يموت)؟
هل هي كاريزما الفريق البطل؟ أم هي الهيبة التي صنعها الحضور الطاغي المتتالي له حتى صارت بطولته قاعدة وغيرها استثناء، وصار منجزة حقيقة لا تقبل الجدل؟
الهلال بطل الدوري السعودي للمرة الخامسة عشر، وبطل للمرة السابعة والخمسين، أرقام لا يقترب منها أحد ولا ينافس عليها منافس، ولا يبدو أن أحداً قادر على تخطيها في المستقبل المنظور.
على ملعب نادي الهلال بجامعة الملك سعود، كانت جامعة المتعة الكروية تقدم دروسها الجديدة، وتحكي للأجيال عن قصة بطل لا يتثاءب، وفريق لا يكف عن نشر الفرح ونثر الإبداع وصناعة التاريخ.
هنيئاً للهلاليين بهذا الفريق الذي تعود أن يسفيهم الفرح عذباً هنيئاً، وألا يغادر موسمه إلا بعد أن يتحمل كل آلامه في سبيل آمالهم ليضع بصمته ويطبع ذكراه العطرة في قلوبهم.
يصافح الهلال الذهب يشد على يده، ثم يسير معه في طريق مجد لا نهاية له.