«الجزيرة» - أحمد المغلوث:
قبل أن نتبعثر خارجين من جامع «المغلوث» بحزم المبرز بعد صلاة العصر التفت زميلي في المدرسة سعد قائلاً: الشباب اليوم متجمعون في عين «الزواوي» إذا حبيت تشارك معنا حياك، الله فقاطعته وما هي نوع المشاركة. فرد باسماً يعني ما تعرف وأنت خبير في القفز في عيون المياه والسباحة. لكن هذه المرة القفز من «دكة» عين الزواوي «وعلى فكرة أفضل واحد يحقق القفزة الأفضل يحصل على العدد الجديد من مجلة» بساط الريح.. فقلت سعيداً ما دام في المسألة مجلة أبشر. اعتبروني مشارك معكم بمشيئة الله. أروح أبلغ الوالدة.. ومن حسن الحظ كان بيتنا يحتل الجزء الجنوبي الغربي من سور المدينة وكان في هذه الزاوية أحد أبراج السور. وعندما اشترى الوالد -رحمه الله- أربعة بيوت طينية خاصة بأسر تخصصت في أعمال النسيج والحياكة كان يحتضنها السور وجانب من البرج أبقى عليه كأنه مجسم جمالي. وبعد هدم البيوت أقام مكانها بيتنا الذي انتقلنا إليه بعد بيع بيتنا القديم في حي السياسب والذي كان يقع على الشارع الرئيس المؤدي لوسط المدينة. ولو صعدت إلى سطح البيت الجديد فسوف تشاهد بساتين النخيل ومن ضمنها نخيل عين «الزواوي» وحتى عين «مرجان» والتي تقع في الجهة الشرقية من هذه الغابة الكبيرة والواسعة من النخيل وكانت عين «الزواوي» الشهيرة هي جزء من بستان كبير لإحدى الأسر الكريمة والتي حملت على مر الأيام أسمها. كان المنظر من السطح فاتناً ومثيراً للبهجة والتي تقع جنوب سور المدينة، الوصول إلى العين عادة عبر الحمير أو عربات «القاري» ولكن الأهم سيراً على الأقدام مروراً بالمقبرة الجنوبية، دخل بيتهم مبتهج النفس تشع في نفسه السعادة فسوف يشارك بعد قليل في مسابقة «القفز في العين» وفي أعماقه سؤال يبحث عن جواب من يا ترى سوف يفوز بالمجلة ويكون الأفضل في لعبة «القفز قفه» لكن الإجابة على هذا السؤال صعبة جداً. فهناك كما علم من جاره سعد سبعة مشاركين غيره، ثلاثة منهم قدموا من أحياء أخرى العيوني والشعبه والعتبان.. ما هي إلا دقائق وإذا بحلقة بابهم تكاد تصرخ منادية له يبدو أن زميله سعد قد حضر ليرافقه إلى «العين».. انطلقاً الاثنان عبر الطريق الترابي يسارعان الخطى وكل واحد منهما يحلم بالفوز «ببساط الريح». حول العين العميقة استعد الجميع للمسابقة أو المباراة كما يحلو لهم تسميتها. بعدما خلعوا ثيابهم وبانت سراويلهم الطويلة والقصيرة، وكانت بيضاء من غير سوء اللهم واحد منهمكان سرواله القصير «الهاف» كان لونه مختلفاً وحجمه نوعاً ما كبيراً وتتناثر في بياضه ورود وأوراق خضراء.. يذكرك شكله بالسراويل الأمريكية الملونة. وقف الجميع حول العين والتي اشتهرت بكونها عميقة جداً لحظات.. وعندما نظر كل واحد منهم إليها تنازعته أنواعاً متشابكة في لحظة واحدة، خوف وجزع وفزع.. هذه العين ليست كمبقية العيون الأخرى، أم سبعة والحارة وعين منصور والجوهرية وحتى الخدود.. تلك العيون المكشوفة التي أشبه ما تكون ببحيرات والقفز فيها سهل ويسير حتى ولو كان من فوق «السواني» أما هذه العين «الزواوي» فهي مختلفة وعميقة وسوداء والأهم مخيفة.. فمن يجرؤ منهم على القفز بداخلها لا قفه ولا هيب.. ومضت فترة وكل واحد من المشاركين في «المباراة» يقف متسمراً وألف شيء وشيء يمنعه من القفز.. ورحت شخصياً أردد بيني وبين نفسي: لن أشارك ولن أقفز.. وبكره اشتري المجلة من مكتبة العبدالقادر في القيصرية أفضل لي، ولا تطير روحي مع الريح من أجل الفوز «ببساط الريح».. فجأة سمعنا صوت صراخ.. وتكبير وتهليل والبعض يردد بحماسة اللي قفز «بوهاف الورد» وهو اللي فاز بمجلة بساط الريح.. وهذا الزميل كان يعرف بيننا بـ«حسوان» وسارعنا بإنزال حبل المركب، لنسارع في مساعدته في الصعود من الأعماق ونحن نبارك له فوزه بالمجلة.. وبعد لحظات من صعوده راح ينظر إلينا بحقد، وهو يردد من هو اللي دفعني إلى داخل العين..؟ بغيت أموت..!.