فهد بن جليد
الفرق بين تعامل الأم العربية والأم الأجنبية مع طفلهما الصغير الذي بدأ للتو تعلم المشي، في الأماكن العامة والمطارات والأسواق وعند الاختلاط بالناس، دائماً ما يجعلني أحاول إعادة قراءة وفهم علاقتنا بأطفالنا، فالأم الأجنبية تكتفي بالمشي خلف صغيرها بكل هدوء وثقة، وكأنَّ دورها يتمَّحور حول حمايته من الأخطار والأذى فقط، بينما تترك له حرية اكتشاف العالم والتحرك والمشي في الممرات والانتقال بين الكراسي والناس - دون أن تشعر بالتضايق أو التذمر أو الخوف - بعكس الأم العربية التي تعيش قلقاً دائماً بمُحاولتها الإمساك بيد الصغير طوال الوقت، والتحكم في اختياره والاتجاه الذي يريده, هذا النوع من التعامل يجعل الاثنين وكأنَّهما في صراع (الطفل يصرخ) يريد حرية الحركة، بينما الأم تُصنِّفه كطفل مُشاغب وعنيد، لا يعرف مصلحته و(ما يسمع الكلام) بمفهومنا الدارج، رغم أنَّه بالكاد يتهادى ويتعلّم المشي.
مثل هذه الصورة تختصر لك مشهد العلاقة بين بعض الآباء والأبناء في عمر أكبر، يمتد إلى سن المُراهقة -برأيي- أنَّ كثيراً من مشاكل وصراعات البيوت ستنتهي لو أنَّ الآباء غيّروا قليلاً من تعاملهم مع الأبناء، وخففوا تلك القيود التي يفرضونها بدافع الحب والخوف والقلق المُفرِط غير المُبرَّر، ومنحوا الأبناء شيئاً من الثقة، وتركوا لهم (الحرية المُنضبطة) تماماً كما تفعل الأم الأجنبية مع وليدها، فهي في الحقيقية لم تترك له الحبل على الغارب كما نعتقد، بل تتابعه وتحاول حمايته والحفاظ عليه من الأخطار، ولكنَّها منحته حرية الحركة والاختيار والتنقّل، وأشعرته بذلك، لذا كان هذا النوع من الانسجام والهدوء والسكينة بين الطرفين، نحن بحاجة الاعتدال أكثر في هذا الجانب، بعيداً عن الإفراط غير المحمود، وإن كان الهدف سامياً وفطرياً بكل تأكيد.
الخوف أن يُشيع الآباء المُفرِطون في قلقهم أنَّ سلوكهم هو الصواب، وأنَّ تربيتهم هي الصحيحة، مُعتقدين أنَّ من يُخالفهم في طريق التربية هذه (مُفرِّط) بتربية أطفاله ومُتساهل، وهو ما يضع قسماً آخر من الآباء تحت هذا النوع من الضغط المُجتمعي أو العائلي، ليقعوا هم وأبناؤهم أيضاً تحت عدوى (القلق المُفرِط) المُكتسب، الذي لن يُساعد كثيراً في التربية الصحيحة بالمُراقبة اللصيقة والتحكم بالتصرفات، بقدر إثارته مزيداً من الهوة والصراع الخفي بين الأجيال.
وعلى دروب الخير نلتقي.