د. أحمد الفراج
تزامنت الضربة الأمريكية الأخيرة على سوريا مع تطور لافت، في قضية التحقيق بالتدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية، وهي القضية التي تقلق الرئيس ترمب، منذ أن تم انتخابه رئيساً، قبل أكثر من عام، وعجز تماماً عن إزاحتها من طريقه، ومن الواضح أن المحقق الخاص، ومدير المباحث الفيدرالية السابق (FBI)، روبرت مولر، يبدو عازماً على الوصول للحقيقة مهما كلّف الأمر، والتطور الذي أقلق الرئيس ترمب وأزعجه، هو الأمر الذي أصدره المحقق مولر بمداهمة منزل ومكتب المحامي الخاص لترمب، مايكل كوهين، ومصادرة كل الوثائق، وقد صرح ترمب وغرّد مستنكراً هذه الخطوة، وقال إنه لم يعد هناك حصانة لأحد، وأن خطوة مولر، انتهكت العلاقة الخاصة بين المحامي والعميل، وترمب يؤمن بأن هناك مؤامرة ضده، ولن تنتهي فصول هذه المؤامرة حتى تتم الإطاحة به!
كان الرئيس ترمب يأمل أن صديقه ونصيره، جيف سيشون، الذي عيَّنه وزيراً للعدل، سوف يتدبر أمر ملف التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية، ولم يكن السيد سيشون يمانع، ولكن الضغوط الكبيرة، التي تعرض لها، من الإعلام والساسة المعارضين لترمب، جعلته يقرّر النفاذ بجلده، ويتنحى عن مباشرة هذه القضية، وبالتالي تولاها نائبه، الذي عيّن محققاً خاصاً، يتسم بالصرامة والمهنية والتأهيل العالي، ومنذ ذلك الوقت، لا يتوقف ترمب عن الهجوم على المحقق الخاص، روبيرت مولر، في ظل صمت الأخير، واستمراره في العمل، الذي يعتقد أنه يتوجب عليه القيام به، وكانت خطوته الأخيرة، التي تمثّلت بإصدار الأوامر بمداهمة مكتب ومنزل محامي ترمب، خطوة كبرى، ودلالة على أنه وصل مرحلة حاسمة في التحقيق، ولم يتبين حتى اليوم ماهية ما تمت مصادرته من مكتب المحامي، ولكن غضب ترمب ومحاميه، يوحي بأن هناك ما لا يرغبان من مولر الاطلاع عليه!
وهنا نأتي على السؤال الهام: «هل أعطى ترمب الأمر بضرب نظام بشار الأسد لمعاقبته، بعد استخدامه للسلاح الكيماوي، أم أن الهجوم كان لصرف الأنظار عمَّا يجري في واشنطن من أحداث جسام؟!»، ونظرة فاحصة وموضوعية على الضربة العسكرية، التي شاركت فيها بريطانيا وفرنسا، توحي بأنها كانت محدودة للغاية، ويصح القول أنها كانت ضربة سياسية أكثر منها عسكرية، ويؤكد ذلك ما صرّح به أهم مسؤولي إدارة ترمب، أي وزير الدفاع جيمس ماتيس، الذي أكد على أن هدف الضربة لم يكن الإطاحة ببشار الأسد ونظامه، بل توجيه رسالة له بأن لا يستخدم السلاح الكيماوي مرة أخرى، وهو التصريح، الذي فهمنا منه أن الضربة العسكرية تمت بتنسيق مع روسيا، وهذا أمر محبط لكل من كان يأمل في إنهاء مأساة الشعب السوري، والخلاصة هي أنه لا يوجد لدى أمريكا إستراتيجية واضحة بشأن الأزمة السورية، وقد تكون الضربة العسكرية الأخيرة مجرد محاولة من ترمب لصرف الأنظار عن المشاكل التي يواجهها في الداخل الأمريكي، وهذا أمر لا يبشِّر بخير!