فضل بن سعد البوعينين
ركزت رؤية المملكة 2030 على الجانب التكنولوجي؛ والاعتماد على الرقمنة كأساس للعمل في القطاعين الحكومي والخاص؛ إضافة إلى تطوير الحكومة الإلكترونية والاعتماد عليها لتقديم كافة الخدمات للمستفيدين؛ واستكمال منظومتها التقنية للوصول بها إلى حد الكفاءة وشمولية العمل. التوسع في التعاملات الإلكترونية؛ والاعتماد عليها بشكل كلي يتطلب توسعاً موازياً في الكفاءات القادرة على التعامل الأمثل مع التحول التقني؛ وبخاصة الكفاءات القادرة على حماية المنظومة الوطنية الإلكترونية؛ وتحصينها من الهجمات الخارجية والداخلية؛ وضمان سلامتها واستدامة تشغيلها. أصبحت الحروب الإلكترونية أشد شراسة من الحروب التقليدية؛ فمن خلالها يمكن تعطيل الأنظمة المالية والأمنية والتقنية والاقتصادية ما يعني إحداث شلل كامل في الدول المستهدفة.
لم يكن إنشاء كلية الأمير محمد بن سلمان للأمن السيبراني طارئاً؛ بل جزء من رؤية إستراتيجية شاملة تُعنى بالتحول الإلكتروني وتنفيذ الجانب الأهم في رؤية المملكة 2030. فلا يمكن التوسع في تحقيق التحول االتقني بمعزلٍ عن توفير الكفاءات الوطنية المتخصصة القادرة على التعامل بكفاءة مع مخاطر الأنظمة الإلكترونية المدمرة. كما أنه من غير المقبول أمنياً الاعتماد الكلي على الشركات الأجنبية والوافدين المتخصصين؛ لحماية شبكاتنا وأنظمتنا الداخلية؛ وبخاصة قاعدة المعلومات الوطنية؛ وأنظمة المصارف والأنظمة الحساسة في أجهزة الدولة المهمة. ومع تطور التقنيات؛ وانتشار برامج التجسس الإلكترونية الحديثة؛ وبرامج التدمير الإلكتروني والتوجيه والتلاعب في المعلومات من الخارج؛ أصبحت الحاجة لتخريج كفاءات وطنية أكثر إلحاحاً؛ لتحقيق الأمن الإستراتيجي للشبكات والأنظمة الإلكترونية الوطنية.
ولعلي أذكر بالهجمات الإلكترونية المنظمة التي تعرضت لها جهات حكومية وشركات تابعة للقطاع الخاص في السعودية التي تسببت في تعطيل أنظمة بعض تلك الشركات؛ والتأثير السلبي على عمليات الإنتاج التي تدار من خلال أنظمة إلكترونية متقدمة.
أعتقد أن شركات البرمجيات العالمية؛ ربما تسببت في خلق الفيروسات لأسباب ربحية؛ وأسباب تجسسية؛ ما يجعل من الأمر أكثر صعوبة؛ وأكثر إلحاحاً للاعتماد على الكفاءات الوطنية التي تعد جزءاً مهماً من منظومة الأمن الوطني.
سيسهم إنشاء كلية الأمير محمد بن سلمان للأمن السيبراني في استكمال الجانب الأكاديمي المتخصص؛ القادر على التعامل بكفاءة؛ وكفاية مع التحول الإلكتروني ومتطلبات المرحلة المقبلة.
والمنظومة الإلكترونية الوطنية الشاملة. تنوع الدرجات المقدمة من الكلية؛ بين البكالوريوس والدبلوم؛ بمستوياته وتخصصاته الثمانية المختلفة يسهم في رفد الاحتياجات المتنوعة؛ بحسب التخصصات المطلوبة؛ ومنها الأساسية والدقيقة والبرمجة المتقدمة.
الأمر عينه ينطبق على مراحل التعليم الأربع التي تضم التعليم الأكاديمي الاحترافي، والدبلوم والشهادة الجامعية العليا لمدة سنة لما بعد البكالوريوس. شهادات الاعتماد المهني من المعاهد العالمية المتخصصة في الأمن السيبراني جزء مهم مما ستقدمه الكلية؛ وهذا سيساعد في الحصول على شهادات الاعتماد للمختصين في فترة زمنية قصيرة لمواجهة الطلب المتنامي محلياً.
الشراكات الإستراتيجية التي ستعقدها الكلية مع بعض الجامعات العالمية المرموقة والمتميزة في مجال الأمن السيبراني والذكاء الاصطناعي؛ ستسهم في رفع كفاءة المخرجات؛ والبدء من حيث انتهى الآخرون والاستفادة من أعضاء هيئات التدريس المتخصصة والكفؤة عالمياً؛ ما سيعزز من جودة الخريجين.
تحقيق الأمن السيبراني؛ لا يقل أهمية عن تحقيق الأمن العسكري الذي أعتقد أن جانباً مهماً من أدواته التقنية الحديثة تحتاج أيضاً للأمن الإلكتروني؛ خاصة مع اكتمال المنظومة الإلكترونية الوطنية التي لا يمكن لها العمل بمعزل عن وجود الكفاءات الوطنية المتخصصة القادرة على حمايتها؛ وهذا ما تسعى الكلية إلى تحقيقه.