«الجزيرة» - محمد المرزوقي:
وصف الدكتور الناقد عبدالله الغذامي أن «سرديات الشاشة» أصبحت من علامات هذا الزمن الذي نعيشه عبر وسائله، التي تعد من قبيل (آية هذا الزمن)، حيث ظل العديد من الأجناس يحل بعضها بدلاً من بعض، إلا أن بعضها ظل موجوداً دون إحلال كالشعر الذي لم يحل بديلاً له، وإنما شهد العديد من التحولات داخل أبنيته الخاصة به، مشيراً إلى أن مرد هذه التحولات إلى كون الإنسان (لغة) ظل خلال معبر العصور يتوسل أنواع القوى، العسكرية، الاقتصادية، وغيرها، ما جعل قوة اللغة تأتي على قائمة توسلاته، التي شكلت لديه قوة اللسان، بوصف الإنسان لغة ولكونها قوة..
جاء ذلك خلال الأمسية الثقافية التي أقامها نادي الرياض الأدبي الثقافي، مساء أمس الأول، بعنوان (سرديات الشاشة)، التي قدمها وأدار دفتها الدكتورة هيفاء الفريح، التي وصفت ضيف الأمسية خلال تقديمها له قائلة: يتميز الغذاميّ بالبحث الدؤوب، والقراءات النقدية الحيوية، وسعيه العلميّ الجاد لطرح الأفضل.
وقال الغذامي: بدأت (أزمنة الشاشة)، بزمن (الخطابة)، التي بدأت متكئة على أربعة أركان: العمامة، العصا، المنبر، واللحن، بينما جاء زمن (الكتاب)، بدلاً من الخطابة، مشروطاً بالعديد من الاشتراطات، التي لا تحتاجها شفاهية الخطابة، إلا أن الكتاب صنع النخب الثقافية، كما صنع الانفصال الحضاري، بينما جاء ثلاث الأزمان، عندما ظهرت الإذاعة، فالصحافة ثم التلفزيون وما تلاها من وسائل أخرى كالمسرح والسينما، منتقلاً إلى رابع الأزمان الذي وصفه بـ»زمن الشاشة»، التي أصبحت علامة هذا الزمن الذي نعيشه، مشيراً إلى أن هيمنة الشاشة في الحضور لا يعني انتفاء الأزمان الثلاثة السابقة، فلا يزال للخطابة وجود، وللكتاب وجود، وللوسائل حضورها، إلا أن تسيّد الشاشة جعلها المسيطرة على خارطة الحضور الثقافي، مشيراً الكتاب والإذاعة والصحافة والتلفزيون صنعت النخب وأنتج محتواها النخب، إلا أن التلقي في زمن هذه الوسائل أحدث أول صدمة من صدمات التلقي الثقافي.
وفي مداخلة للدكتور صالح معيض الغامدي، تساءل عن التداخل في الزمنية ووسائلها، وغياب الحديث عن زمن (الصورة) وآخر لرائد الصبح، عن مهمة الفيلسوف، ومداخلة للدكتورة الناقدة ميساء الخواجا، عن مسألة العناصر الستة من حيث وجودها التراتبي من جهة، ومن حيث القصدية التي بني المرسل عليها رسالته.
كما شهدت الأمسية العديد من المداخلات التي جاء من بينها مداخلة للدكتورة والكاتبة زكية العتيبي، وأخرى لمعاوية الأنصاري، حيث أشار الغذاميّ في رده عليها إجمالاً: أن ثقافة الشاشة أفرزت الكثير من الظواهر، منها ثقافة «قصف الجبهة» الذكورية، معيدا ذلك إلى ثقافة «الفحولة» مقارنة بالنساء اللاتي لا قصف ليدهن وإنما بدائل، مشيراً إلى أن (عصا) القمع تحولت بفعل هذه الأزمنة ليصبح الحجب - البلك - عصا تويترية، معقباً على (الثامنة حدي) بقوله: هي عزلة فرضتها على نفسي، لكنها ليست بما يعنيه ظاهرها، بل لأني لدي برنامج اليومي الذيي أحرص على المحافظة عليه، مستعرضاً في رده على مداخلة ما تعرض له من هجوم غير مبرر من تيار الصحوة، بأنهم طرق جميع وسائل الهجوم والانتقاد لا النقد، موضحاً إلى أن في الثقافة أدعياء ومطففين، وأن الرجال في حضرة النساء أكثر تأدباً أياً كان المكان الذي يجمعهم ما يفرض نوعاً من الحديث، والالتزام بما يُقال وما لا يُقال في حضرة النساء.