د.علي القرني
مؤتمر القمة العربي الذي استضافته المملكة العربية السعودية هذا الأسبوع يشكل نقلة مهمة في تاريخ العرب المعاصر بحكم أنه يأتي بعد إعلان الولايات المتحدة الأمريكية على لسان رئيسها دونالد ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل، وقراره بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس. ولهذا فقد أسمى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز هذه القمة بقمة القدس، إيمانا منه يحفظه الله أن القدس والقضية الفلسطينية هي قضية المملكة منذ نشوء دولة إسرائيل، 1948 ومرورا بحرب 1967 التي احتلت فيها إسرائيل القدس، ثم تعرضت القدس إلى هجمات استيطانية مزقت أوصال المدينة المقدسة، ومرورًا هذا العام إلى إعلان ترامب بتهويد القدس وتسليم ملكيتها إلى إسرائيل.
وأدركت القمة خطورة هذه الخطوة الأمريكية وتداعياتها على مفاوضات السلام حيث كما قال الرئيس الفلسطيني في مؤتمر القمة إن إعلان ترامب يعني أنه أخرج القدس من أية مفاوضات مستقبلية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وهنا تكمن الخطورة، كما أن إعلان الولايات المتحدة القدس عاصمة لإسرائيل يعني ضرب مفهوم الوسيط المحايد، الذي يشرف على المفاوضات بين الطرفين. وفعلا أخرجت الولايات المتحدة نفسها من أي وساطة قادمة بين الطرفين بحكم أنها حكمت سلفا على إحدى أهم القضايا المحورية بين الفلسطينيين والإسرائيليين حكما جائرا يعاكس التاريخ، وينافي قرارات الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن.
وقمة الظهران وضعت النقاط على الحروف، فالأمة العربية والإسلامية تقف ضد قرار ترامب بتسليم القدس لإسرائيل، ونادى قادة الأمة العربية الحكومة الأمريكية بإعادة النظر في قرارها بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وبقرارها نقل السفارة الأمريكية إلى القدس اعتبارا من العام القادم. وهما قراران يقفان ضد أي جهود للسلام في المنطقة، بل أنهما أشعلا المنطقة وخاصة الأراضي الفلسطينية وتحديدا القدس ضد الاحتلال الإسرائيلي.
وكلنا يعرف شخصية ترامب فهي شخصية مثيرة للجدل، وهو يريد أن يكون كذلك، لديه هاجس أن يكون عكس حركة التاريخ، ولا يهمه إلى أن يقال عنه بأنه أول رئيس أمريكي عمل كذا، وفعل كذا، إلخ. ولهذا فمن الصعوبة بمكان التنبؤ بمثل هذه الشخصيات، فهو يذهب دائما إلى التطرف في قراراته، وفي تصريحاته، فهو صاحب نظرية القرار يبدأ أولا من تغريدة، ثم يوجه البيت الأبيض والمؤسسات الحكومية الأمريكية كوزارة الخارجية والبنتاجون وغيرهما في التكيف مع هذه التغريدة أو تلك.
كما أن الرئيس ترامب بعيدا كل البعد عن اللباقة الدبلوماسية، وهذا ما ينعكس على مقابلاته ولقاءاته في كثير من الأحيان. فلا يبحث إلا عن ومضات الإعلام وتفاعلات وسائط وشبكات التواصل الاجتماعي. ويحكم على نجاح أو فشل تصوراته وقراراته من خلال هكذا تغريدات، حيث أصبح تويتر بالنسبة لترامب هو وزارة إعلام كبرى تمارس دورها الإعلامي التواصلي مع الجمهور الأمريكي والجمهور العالمي.
ورغم أن بعض الأمور نجح فيها ترامب على صعيد وضع النقاط على الحروف مثل محاولاته إلى الآن في تقويض هيمنة إيران على المنطقة، إلا أن قراره الخاص بالقدس كان له أبلغ الألم على مليار وسبعمائة مليون مسلم في كل أصقاع العالم، وهذا ما عكسته القمة العربية الأخيرة. ونحمد الله أن حقق لهذه القمة النجاح في افتتاحها، ويتبقى عام كامل تعمل فيها الحكمة السعودية لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان ولسمو ولي عهده الأمير محمد بن سلمان في الدفاع عن القضايا المصيرية، بما فيه استعادة الأمن العربي ونشر الاستقرار في الدول العربية، والوقوف ضد أعداء الأمة ومحاربي الاستقرار.