محمد المهنا أبا الخيل
في معرض حديث ولي العهد صاحب السموالملكي الأمير محمد بن سلمان لمجلة (The Atlantic) الأمريكية، بيّن حفظه الله، أن حرية التعبير بالكتابة أو الحديث متاحة للسعوديين في أي شأن طالما التزموا بعدم تجاوز ثلاثة خطوط حمراء: «الإسلام والتعدي الشخصي والأمن الوطني».. هذه الخطوط التي لا يجوز تخطيها لم تفرضها الدولة بنظام، بقدر ما هي مطلب شعبي، كما ذكر سمو ولي العهد، وهي أصل في الثقافة السعودية وتمثل أعلى هرم القيم الاجتماعية. لذا يفترض أن تحترم وتصان من جميع المواطنين.
حرية التعبير والحديث في شئون الدين متاحة بما لا يخدش الاعتقاد العام لدى أفراد المجتمع أو يستفز فئة بمسلماتها، فكثيراً ما تحفل الصحف والمجلات بمقالات وتحقيقات تتناول جوانب دينية فقهية وتناقش مواقف الفقهاء من تفاسير أو أحاديث حول المستجدات العصرية، وكثيراً ما تحدث مناظرات فكرية دينية بين أطراف متعددين تكون في صيغة أحاديث ومقابلات تلفزيونية أو مقالات صحفية، هذه الطروحات كانت ولا زالت في إطار محكم لا تخرج عنه وهو الإطار الذي أشار له سمو ولي العهد، فهو إطار الثوابت المعلومة من الدين بالضرورة، والتي يفترض التزام المسلم بها, وأن لا يثير ما يشكك بها أو ينتقص منها، لذا هي خط أحمر لا يجوز تخطيه، والمجتمع السعودي برمته وبجميع مذاهبه وتنوعه يدرك ذلك ويلتزم به.
أشار سمو ولي العهد -حفظه الله- إلى أن النقد البناء متاح لجميع من يريد التعبير عن رأي أو موقف تجاه وزارة أو جهاز حكومي يتلق بجودة بخدماتها أو نوعيتها أو قصورها، وهذا النقد يجب أن يكون هدفه هو الصالح العام وخدمة الوزير أو المسؤول في توصيل الرأي العام وتبييت جوانب الضعف في الأداء الحكومي حتى يتم تلافي ذلك أو العمل على معالجته، وحتى يكون هذا النقد مقبول ومفيد يجب أن يتجنب التجريح والشخصي، فكلما كان النقد يتعرض لجوانب شخصية المسؤول كلما فقد الموضوعية وأصبح تصيد واستهداف خارج عن اللياقة الاجتماعية، فطبيعة المجتمع السعودي وقيمه السامية ترى أن التعدي اللفظي أو المكتوب على الأشخاص بالنقد والتقريع هو تجاوز لا يجوز ولا تقبله الفطرة الصحيحة، وخصوصاً إذا كان ذلك التعدي على موظف عام يؤدي عمله ضمن أطر الأنظمة واللوائح التي تعتمدها الدولة.
والدولة تحمي حقوق المواطنين المعنوية والمادية ومن أهم تلك الحقوق المعنوية الحق بحفظ الكرامة من التعديات، لذا وضعت الدولة عدة أنظمة تتعلق بحماية الأفراد من التعديات اللفظية في وسائل الإعلام ووسائط التواصل الاجتماعي وأتاحت للمتضررين الشكوى والتقاضي وفرضت غرامات كبيرة على المتجاوزين.
ذكر سمو ولي العهد -رعاه الله- أن الأمن الوطني هو خط أحمر ثالث لا يجوز التهاون فيمن يتعداه، وهذا يتمثل في منع كل ما يستثير النعرات والخلافات بين المكونات الاجتماعية أو يقود لتوجهات سياسية أو فكرية هدامة أومنافية للأسس التي قامت عليها وحدة المملكة العربية السعودية، أو أن يعين جهات خارجية للنيل من المملكة وقيادتها أو رموزها.. هذا إلى جانب أن من مهددات الأمن الوطني التعبير عن التوافق أو تمجيد الحركات الإرهابية حتى وإن كانت عملياتها خارج المملكة، فلا يجوز بأي حال من الأحوال امتداح أي حركة تنتهج الإرهاب وسيلة لتحقيق غايتها، فمن مقتضايات البيعة السمع والطاعة والمملكة اليوم من أكثر الدول العالمية نشاطاً في مكافحة الإرهاب أينما كان، فلا يجوز لمواطن فيها أن يخالف توجهات الدولة الإستراتيجية.
حديث صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان للمجلة الأمريكية يستحق الاستعراض والتمعن في مضامينه، فقد كان حديث صريح ومعبر عن سياسة وقيم المملكة العربية السعودية كدولة وكشعب ينشد الأمن والسلام والتنمية.