د.دلال بنت مخلد الحربي
حملت الأخبار عن موضوع العلا الكثير مما يثلج الصدور، ويفرح النفوس، لأن منطقة العلا ستحظى باهتمام منقطع النظير يعطي صورة عن التاريخ الموغل في القدم لهذه البلاد التي تختزن أراضيها كنوزاً حضارية لا نبالغ إن قلنا إنها أساس الحضارة الإنسانية جمعاء.
والمعروف أن العلا منطقة حظيت باستيطان بشري منذ أقدم العصور، ومن ثم تكونت فيها ثقافات وعقائد متنوعة والآثار التي اكتشفت فيها تدلل على ذلك.
لقد أغفلت هذه المنطقة كثيراً بالرغم من الاهتمام الكبير الذي أبداه الرحالة الأجانب وعلى الأخص في القرن التاسع عشر، وكانوا هم من لفت الانتباه إلى القيمة الأثرية لمنطقة العلا ولعلي أشير إلى أحدهم وهو يوليوس أوتينج الذي زارها في عام 1884م وَمِمَّا ذكره أن في العلا كمية كبيرة من الأحجار التي تحمل نقوشاً أعيد استخدامها في بناء المنازل والأسوار، وقد وجد أوتينج أن معظمها كتب بحروف الخط المسند، كما تحدث أوتينج عن الأطلال الأثرية في العلا والتماثيل الموجودة هناك ومقابر المعينين، كما تحوي المنطقة آثاراً تحمل نقوشاً لحيانية، وقد وصف أوتينج أحد الجبال القريبة من مدائن صالح وهو في طريقه إلى مدائن صالح نفسها فقال: (مررنا بجبل مكتظ بنقوش ذات خطوط مختلفة، حيث تعلو صفحاته نقوش كتبت بالخط الآرامي القديم والخط الثمودي والخط النبطي والخط اليوناني والخط اللاتيني، وماتنوع هذه الخطوط هنا إلا شاهد واضح على العمق الحضاري والتعاقب التاريخي لبلدة الحجر).
إن تسجيل مدائن صالح ضمن التراث الإنساني في اليونسكو كانت خطوة رائدة للهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني، واليوم بالتوجه لإنشاء متحف العلا بالتعاون مع فرنسا سيكون فرصة كبيرة لإبراز مافي منطقة العلا من آثار حافلة سوف تستقطب أنظار عشاق التراث الإنساني والمهتمين بالآثار، كما أنه سيكون وسيلة لاستقطاب السياح من أنحاء العالم للاطلاع عليها مباشرة، وهو وسيلة لتعريف أبناء الوطن بتراث أرضهم الموغل في القدم مما يسهم في تحفيز الأجيال على الاعتزاز والعطاء كما هو وضع الأجداد منذ آلاف السنين.
ولعل أهم نقطة هو أن يعين المتحف وماسيجلبه من سياح ومهتمين من دفع للصورة النمطية عن المملكة بأنها أرض صحراوية قاحلة بلا حضارة، وأن كل اهتمام العالم بها من أجل النفط، وهذه الصورة مع الأسف بدأت تشيع بين بعض العرب الذين تظهر منهم مثل هذه التلميحات في وسائل التواصل الاجتماعي، فهم يعتدون ببلادهم باعتبارها مناطق حضارية قديمة في حين أن المملكة ليست إلا صحراء مهملة بلا تاريخ.
إن العلا هي خطوة أولى لإبراز الوجه الحضاري للمملكة والأمل أن تتبعها خطوات أخرى لإبراز مكامن الحضارة الإنسانية في شرقها وغربها وشمالها وجنوبها ووسطها.