أمل بنت فهد
حين تصل إلى أمر قاتلت من أجله، وتحديت الطريق المؤدي إليه، وصارعت في طريقك أهوالاً، وتلتفت لتراها من بعيد ولا تكاد تصدق أنك تجاوزتها، هل يهم حقاً توقيت الوصول؟ أم أن الوصول غاية في ذاته لا تتعلق بالوقت!
وإذا حدث وفقدت حماسك بعد الوصول فأنت إما نسيت قضيتك الأولى والتي من أجلها دخلت المعركة، أو أنك لا تزال معلقا في مكان اسمه الماضي، لايزال فيك غضب قديم لم تتجاوزه، أو لم تسمح له أن يتجاوزك، إنك مضيت وأنت تحلم بالانتقام، انتقامك الشخصي، أو انتقام القدر لك، وهذا السبب يجعلك تكسب قضية خاسرة من أساسها، وكسبها لم يضيف لك أي شيء، لأنك انطلقت وأنت مقيد بمحاولة إثبات الانتصار، تريد أن تريهم أنك انتصرت، لأنك لاتزال تفكر بهم، ولم تنته منهم، تريد أن ترى نظرة الحسرة في عيونهم، تريد أن تجرحهم، تريد أن ترد لهم ديناً قديماً من الجراح، لذا حقيقة جعلتهم محور حياتك، غادرت الأمكنة وأخذتهم معك، سافرت، كسبت مالاً، اعتليت منصباً، أنشأت عائلة جديدة، فعلت أشياء كنت محروماً منها بسببهم، أنجزت، وصعدت القمة، لكن لم تصعد وحدك، صعدت بهم معك، وجعلت لهم هيمنة على حياتك، لذا لم تستطع أن تتذوق كأس الوصول، بل تجرعته وشرقت به، لأنهم يسبحون فيه.
الخلاص منهم ليس بالرحيل، لأنك مهما رحلت، وابتعدت، أخذتهم معك، وحبستهم في أفكارك، لم تغادرهم يوماً، لأنهم معك في أحلامك، وفي واقعك، تنام بهم كوابيس تقض مضجعك، وتصحو بهم لتعقد كل يوم وعداً جديداً لتثبت لهم أنك نجحت!
لذا لن تنجح، ولن تشعر بطعم الإنجاز، وحين تصل ستشعر بحزن عميق يغلف حفل تتويجك، ستبقى عالقاً بهم في الماضي، كمحارب قديم يتحسس ندوبه، ويقسم على الانتقام، لا يريد أن ينسى جراحه، ولا يسمح لها بالشفاء، لذا هو موجوع دائماً، حتى في أجمل تجلياته، كلما صفت له صفحات الحياة، عكرها بذكراه معهم، وعد ذنوبهم عداً.
لذة الوصول تحدث حين تكون من أجلك، من أجل دفنك للماضي بكل من فيه، فإذا لم تواجههم يوماً بما فعلوه بك، عليك أن تتجاوزهم، وتمسحهم، يكفي أنهم دمروا ماضيك، فلماذا تسمح لأشباحهم أن تدمر حاضرك.
لذة الوصول مشروطة بالشفاء من الماضي، وأهله، وجراحه، اتركهم حيث ودعتهم، ولا تلتفت وإن سمعت تحطمهم خلفك، جرب النسيان، ومزق حكايات الماضي وأبطاله.