فوزية الجار الله
عبثًا تبحث، عبثًا تتأمل، عبثًا تفكر..
في السياسة كل شيء ممكن، وفي الوقت ذاته لا شيء مؤكد، عكس ما كان يردده الرئيس المصري السابق حسني مبارك في خطاباته: (لا شيء يخفى في السياسة).. حين يقولها بلهجته المميزة «ما فيش حاجة تستخبى في السياسة»!
تسمع وتشاهد الكثير من المواقف المتناقضة، ثمة صخب يجتاح العالم وأنت هنا بانتظار الخطوة القادمة الأكثر وضوحًا، لعل وعسى! تبتهل إلى الله أن تعود الشياطين إلى حيث كانت، والسهام إلى أكنتها، وأن تهدأ هذه التناقضات، وأن تنزاح تلك العتمة، وأن تحيا في أمان.. هذا أقصى ما يريده أي كائن حي على هذه الأرض، حتى الحيوانات والأشجار والنباتات لا تستطيع العيش إن افتقدت الأمان.. ثمة صوت يتردد خلف هذا المشهد الأشبه بمنصة مسرح «لا شأن لك بالسياسة»! لا تحشر عينيك ولا رأسك ولا حتى خفقات قلبك: ابق هناك في مأمن، نحن في زمن الربيع، وهذا بحد ذاته محرض على كتابة أجمل وأرق.. اكتب عن الغزلان الشاردة عبر الحقول، عن الغيمات السابحة في زرقة السماء، عن شدو الطيور وهمس اليمامات كلما صافح الفجر حافة الكون، عن حديث سرمدي عذب بين الأغصان والزهور، عن الفراشات تهفهف هنا وهناك بحثًا عن حلم أجمل ورائحة أكثر عذوبة، عن حنين الأرض وابتساماتها وهي تحتضن المطر بعد طول غياب..
عبثًا تحاول إخماد القلق والهواجس المتصاعدة في أعماقك بين الفترة والأخرى..
إنها «الضربة» تبدو الكلمة لغويًّا سهلة يسيرة عابرة لغويًّا، لكنها في واقع الحياة تبدو مخيفة. أمريكا تهدد بضربة لسوريا، ثم تتحالف مع بريطانيا وفرنسا، مثلما تفعل القبائل قديمًا لتوزيع المسؤولية عن دم الضحية. نعم، يعمدون إلى عكس الحقائق وتلوينها، وجعلها تبدو بصورة أخرى، وإلا فإن كان ذلك رغبة حقيقية في نصرة الشعب السوري والعربي فلماذا لم يكن ذلك منذ بدء العدوان على الشعب السوري ومن ثم قتل وتشريد الملايين عبر بقاع العالم؟!..
هذه الضربة تذكرك بضربة بغداد التي تبعها ضرب البنية التحتية له، وتحطيم الجسور والمباني، وأهم المواقع الاقتصادية فيه، ومن ثم إعدام صدام، وتشريد الشعب العراقي؛ ليتحول العراق إلى دولة زاحفة تئن ألمًا، وتشتكي فقدًا لشبابها ورجالها وأجمل صور الحياة فيها، وما زالت تعاني حتى يومنا هذا.
فيما يبدو نحن في زمن «الضربة»؛ إذ يحدث ما لا نفهم، وما لا نملك قدرة على تغييره.. تقول ذلك ثم تتلفت حولك متسائلاً: وماذا بعد؟ لست إلا قطرة في بحر هذا العالم فاهدأ بالاً، وتوقف عن التفكير فيما يسمى «ضربة».