إبراهيم عبدالله العمار
أحد المطاعم السريعة الأمريكية رغب في التسويق لأحد منتجاتهم، وهو مخفوق الحليب (ميلك شيك)، وسألوا الكثير من الزبائن: كيف يمكننا أن نجعلك تشتري أكثر وتصيرأكثر رغبة في الشراء؟ هل نجعله أغلظ؟ أرخص؟ أكثر شوكولا؟
أخذوا الإجابات وغيروا المخفوق حسب الآراء، لكن الغريب أن المبيعات لم تتغير. احتاروا واستعانوا ببعض الخبراء الذين رأوا أن ينظروا من زاوية معينة، وهو مبدأ «أداء الغرض»، فراقبوا الأوقات التي يُشترى فيها المخفوق ونوعية الناس وهل هم منفردون أم مع عائلة وهكذا. رأوا أنهم يأتون أكثر شيء صباحاً، وأنهم منفردون لا يجلسون بل يأخذون المخفوق ويخرجون. بعد التدقيق اكتشفوا الغرض من المخفوق بالنسبة لهؤلاء: قَطْعُ الطريق. هؤلاء الزبائن لديهم مشوار طويل ويريدون شيئاً يملأ المعدة ولا ينتهي بسرعة ولا يلوث أيديهم ومذاقه لذيذ. ابتعدوا عن الدونات والموز والفطائر وغيرها من مأكولات الصباح لأنها لم تؤد الغرض، واتضح أن المنافسة لم تكن مع مخفوق المطاعم السريعة الأخرى بل مع الساندويتش والبيغل والدونات. أما زبائن الظهر فظَهَر أنهم غالباً من الآباء الذين يشترون المخفوق لأبنائهم إما ترضية أو ترفيهاً، وهؤلاء يجلسون لكن ليس كثيراً، ولاحظوا أن الأب يأكل الوجبة بسرعة ثم ينتظر الابن لكن ينفد صبره فيأمره أن يخرج ويلقي المخفوق في النفاية. هذه نوعية أخرى وغرض آخر. لو سُئلنا كيف يمكن تحسين المخفوق للمطعم فيعني أن نحاول إرضاء الكل بشكل موحد وهذا صعب، لكن تزول الصعوبة بمعرفة الفكرة الأعلى كما يفيد الخبير كليتون كريستنسون، فيمكن مثلاً لمخفوق الصباح أن يكون شديد الكثافة لئلا ينفد بسرعة وربما معه فواكه وأحجام كبيرة، أما مخفوق الظهيرة فيكون أصغر وأخف، وهكذا.
لا أريد ترغيبك أن تشتري المخفوق فهو ضار ومليء بالسكر الذي سيقصف صحتك قصفاً ويسبب لك الأمراض، لكن الغرض توضيح الفكرة المبنية على تلك الدراسة، والفكرة: يجب أن تعلم الغرض الذي يريده الزبون، أي الشيء الذي ينقصه أو يحتاجه، الغرض من السلعة، ولك أن تأخذ شركة إيكيا السويدية مثالاً. إن فكرة ايكيا ليست صعبة. فالكل يستطع أن يزور أحد متاجرهم ويقلد أسلوب عملهم وتصميم المحل، لكن رغم هذا ورغم أن ايكيا تعمل منذ 40 سنة إلا أنهم لا منافسين فعليين لهم. لماذا؟ نفس النظرية السابقة تحاول تفسير ذلك، وهي نظرية أداء الغرض، وتقول إن الإنسان يشتري شيئاً لأنه يخدم غرضاً لا لأنه ينتمي لفئة زبائن معينة. في حالة ايكيا فإن الغرض الذي يجعل الناس يذهبون ليس لأنهم أرخص ولا لأنهم يستقصدون فئة معينة من الزبائن وإنما لأنهم يؤدون الغرض، يسدون كل ثغرة، يشبعون كل حاجة، وفي حالتهم فإن الغرض هو التأثيث بشكل شامل. لا تحتاج الانتظار الطويل ولا التوصيل الذي يأخذ أياماً بل في رحلة واحدة تستطيع شراء كل ما تحتاج من أثاث وتركّبه بنفسك وتحمله في سيارتك وإذا لم تتسع فلديهم توصيل في نفس اليوم، كذلك لديهم مطعم لئلا تغادر بسبب الجوع وملعب أطفال لكيلا يشغلوك وهكذا. غرضك تؤديه في زيارة واحدة.
مبدأ «أداء الغرض» سيفتح لك أبواباً مغلقة لو أعيتك السبل المعتادة.