د. عبدالحق عزوزي
منذ سنوات أنشئ اتحاد عاصفة الفكر، وكان لي شرف مع الإخوة الأعضاء في هذا الاتحاد، وبفكرة من الدكتور جمال السويدي، إطلاق عاصفة فكرية موازاة مع عاصفة الحزم، وعاصفتنا هي عاصفة فكرية بالدرجة الأولى، تستلزم منا نحن -أهل الرأي والمعرفة-، تحالفا فكريا لبلورة استراتيجية تداوي العقل والواقع العربيين بوصفات استشفائية واستشرافية لدراسة الأزمات وللإجابة عن معضلات البناء التنموي والنهضوي والوحدوي في إطار عقلانية تعم الشكل والمضمون، والهياكل المجتمعية ومؤسساتها وعقلية وسلوك الجماعات والأفراد لنتموقع في الحاضر والمستقبل، ولنغير الواقع إلى لحظة النهوض وإقامة قواعد الأمن والاستقرار. وهذا كفيل بتبصير المجتمعات والفاعلين بحجم المأساة التي نعيشها والتي يمكن أن تتفاقم إذا لم تزل المسببات في الإبان...
والآن وقد اجتمعنا في الرياض، لتنظم الدورة السادسة من طرف هيئة الصحفيين السعوديين، ومن طرف رئيس مجلس إدارتها الأستاذ خالد المالك، أريد أن أعبر عن تقديري لما قام به قدوة الإعلاميين، وحبيب الجميع، الأستاذ المالك في حفل الافتتاح وهو تكريم الأستاذ تركي السديري رحمه الله، إلى درجة أنني سمعت من بعض من كان يجلس بجواري أنه حبذا لو كرم نظراؤه بمثل هذا التكريم في بلدانهم.
فقد مضى كما قال الأستاذ المالك في كلمة معبرة ومؤثرة، قرابة عام كامل على وفاة الزميل تركي السديري، رئيس تحرير صحفية الرياض، رئيس مجلس إدارة هيئة الصحفيين السعوديين لثلاث دورات، رئيس اتحاد الصحافة الخليجية لمثلها، ومنذ وفاته في تاريخ 14 - 5 - 2017 م، «وما قبل ذلك وإلى ما شاء الله، سيظل في ذواكرنا، كاتباً وصحفياً وقائداً وإعلاميا ًبارزاً، فقد كان خلال نصف قرن في عمق العمل الصحفي، مؤثراً ومتاثراً، مالا يمكن أن ننساه، أو نغفل عن استذكاره».
قبل أن يضيف: مضى تركي بن عبدالله وطويت صفحات حياته في الدار الدنيا، مسجلاً إرثاً إعلامياً كبيرا، لا يقدر عليه إلا من امتلك شخصية تركي - رحمه الله - ومواهبه وجديته في العمل، وإصراره على بلوغ أهدافه، ومواجهته للتحديات بالحكمة والعقل والتصرف السليم، هكذا كان الزميل تركي في عالمه الصحفي، فقد مات وما يزال حتى يومه الأخير لا يشغله شاغل، بما في ذلك مرضه عن حبه الأول صحيفة الرياض ، والصحافه عموما».
ثم سعدنا بتدخل راعي الحفل صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن بندر بن عبد العزيز الذي ألقى كلمة مقتضبة وجامعة بهذه المناسبة قال فيها: «أتشرف اليوم وفي هذا الموقع مع الإخوة والأخوات الكرام لنؤسس لعمل جيد ونكمل مسيرة من بدأها في مواقع متعددة في هذا المنتدى الذي يتحدث عن كثير من الأمور الفكرية التي تصاحب الدفاع عن الأوطان، وأبناء الأوطان في أعمالها ومناهجها، وبلا شك أن هذا المنتدى من أهم المنتديات التي يجب أن نهتم بها ونقدرها حق قدرها وأن نكون دائماً عاملين بخير بما فيه للأوطاننا» وأضاف سموه « اليوم نفخر بتكريم زميل عزيز وأخ كريم وهو تركي بن عبد الله السديري -رحمه الله- الذي أسس وعمل في مجال الصحافة، وفي أمور كثيرة الكل يعلمها أكثر مني، لقد كان لي تواصل معه - رحمه الله - هاتفيًا، ولم يسعدني الحظ أن أجلس معه في جلسات مفتوحة ومناقشات مستمرة وأعتز وأفحر بما جرى بيننا من تواصل واستفدت الكثير منه».
ولو كنا نسمع عن مناقب المرحوم، تركي بن عبد الله السديري، الكثيرة، وأدواره التي لا تحصى في بناء الصحافة الحديثة، فإننا لم نكتشف خباياه وأسرار مسيرته إلا مع هذا الحفل التكريمي الذي نظم في حقه، وحمدت الله على ذلك، لأن أبناء جيلي الذي ولد في بداية الثمانينات من القرن الماضي، والجيل الذي سيأتي فيما بعد، يجب أن يعي ما قام به سلفنا الصالح من أدوار طلائعية في خدمة بلدانهم... ثم ألم يقل الرسول المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم «من لا يشكر الناس لا يشكر الله». فهاته فرصة للتعريف بإنجازاته، وتاريخه المجيد، وعطاءاته المختلفة، ليتعلم منها جيلي والأجيال المقبلة، جعلنا الله خير خلف لخير سلف؛ واحتفالية التكريم هاته تعطي زخما جليا في تقدير رموز البلدان وأعلامها الثقافية حق قدرها، وهي إذا خصت المرحوم فهي تسلط الضوء على عطاء جيل بأكمله، بات لزاما التعرف على إسهاماته الظاهرة والخفية...