فضل بن سعد البوعينين
أعاد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز؛ القضية الفلسطينية إلى الواجهة؛ مؤكدا أنها «قضيتنا الأولى وستظل كذلك، حتى حصول الشعب الفلسطيني الشقيق على جميع حقوقه المشروعة وعلى رأسها إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية». الملفات العربية الملتهبة؛ والتحديات المحيطة بالعالم العربي؛ لم تمنع الملك سلمان من إعطاء القضية الفلسطينية الأولوية القصوى، وجعلها محور القمة الرئيس؛ دون الإخلال بالملفات الأخرى. تسمية قمة الظهران بـ «قمة القدس» وتقديم تبرعا سخيا بمبلغ 150 مليون دولار لبرنامج دعم الأوقاف الإسلامية في القدس؛ و 50 مليون دولار لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين؛ ورفض نقل السفارة الأميركية للقدس؛ هو تأكيد على أن القضية الفلسطينية في قلب الملك سلمان بن عبدالعزيز؛كما كانت في قلوب إخوانه؛ رحمهم الله؛ من قبل؛ ومن أولويات المملكة؛ واهتماماتها المحورية.
الأمن القومي المشترك؛ كان وما زال من أولويات المملكة؛ لمعرفتها الدقيقه بأهميته وانعكاساته على أمن واستقرار ووحدة الدول العربية؛ وبرامجها الاقتصادية والتنموية؛ التي وصلت مستويات متدنية تهدد مستقبل الشعوب؛ وتنذر باتساع رقعة الفقر؛ والجهل؛ والأوبئة؛ في زمنٍ تتقدم فيه دول العالم وتزدهر اقتصاداتها وترتقي بشعوبها إلى آفاق من العلم والرقي والتطور. الأمن قاعدة التنمية؛ والازدهار الاقتصادي؛ ومن غير الممكن تحقيق تنمية اقتصادية في دول تفتقر إلى أساسيات الأمن والاستقرار؛ أو دول تسمح أنظمتها بالتدخلات الأجنبية التي لن يتوقف تأثيرها المدمر على تلك الدول فحسب بل سيتجاوزها إلى الدول العربية الأخرى؛ مهددا الأمن القومي واستقرار المنطقة.
لذا ركز خادم الحرمين الشريفين في كلمته على «الأمن القومي العربي»؛ وقدم في الوقت عينه «مبادرة للتعامل مع التحديات التي تواجهها الدول العربية بعنوان. لم تعد التحديات التي تواجهها بعض الدول العربية مرتبطة بها فحسب؛ بل باتت تهدد الدول العربية الأخرى؛ ما دعا خادم الحرمين الشريفين للمطالبة بتعزيز الأمن القومي العربي؛ والنظر لتلك التحديات من منظور شمولي مشترك يضمن معالجتها وبما يحقق المصلحة القومية. لم تعد القضايا العربية الكبرى في سوريا وليبيا واليمن ولبنان؛ وغيرها؛ مرتبطة بها؛ بل بجميع الدول العربية.
المُطالَبَة بالتعامل معها وفق المصلحة القومية؛ بعيدا عن الرؤى الضيقة؛ والمناكفات السياسية؛ وحسابات المصالح السياسية والأمنية الوقتية مع الدول المتسببة في زعزعة أمن الدول العربية وتهجير شعوبها؛ وفي مقدمها إيران؛ من أساسيات العمل المشترك؛ ومن متطلبات الأمن القومي.
الإرهاب؛ جزء رئيس من مهددات الأمن القومي العربي؛ وبالرغم من القوانين والتشريعات الدولية والاتفاقيات العربية الداعية لمحاربته؛ إلا أن بعض التنظيمات الإرهابية ما زالت تجد الرعاية من بعض دول المنطقة في مغامرة محفوفة بالمخاطر؛ ليس على الدول المستهدفة بأنشطتها؛ بل وعلى لدول الراعية لها؛ مستقبلا. خطر «إرهاب الدول» يتجاوز بكثير مخاطر الجماعات الإرهابية؛ وأحسب أن إيران باتت الخطر الأكبر على الدول العربية قاطبة. لا يمكن للأمن القومي أن يتحقق مع وجود التنظيمات الإرهابية في بعض الدول العربية؛ أو السماح للدول الإرهابية أو الراعية للإرهاب الدولي بالتغلغل في المحيط العربي؛ مهما كانت الأسباب. اتخاذ الجامعة العربية لقرارات حاسمة ونافذة يحتاج إلى آلية تنظيمية تضمن تنفيذها؛ وهو أمر لا يمكن تحقيقه إلا من خلال تطوير الجامعة العربية ومنظومتها؛ التي ما زالت المملكة تطالب بتحقيقه؛ من أجل تفعيل دور الجامعة؛ ووضع آليات ضامنة للنجاح؛ أسوة بالمنظمات الدولية الأخرى.
اختتمت قمة القدس بنجاح لافت؛ وقرارات مهمة تعزز الأمن القومي العربي والعلاقات المشتركة؛ وبعثت برسائل صريحة موجهه للمجتمع الدولي وإيران على وجه الخصوص. أسهم احتضان المملكة، ورئاسة خادم الحرمين الشريفين للقمة في تحقيق النجاح المنتظر؛ وأثبتت المنطقة الشرقية التي احتضنت القمة؛ ولأول مرة؛ قدرتها الفائقة على استضافة القمم بأنواعها والمؤتمرات العالمية وتوفير سبل النجاح لها.