د.ثريا العريض
وأنا أكتب هذا المقال ليلة الأحد؛ لينشر يوم الثلاثاء, يتوافد إلى الظهران في المنطقة الشرقية رؤساء وفود الدول العربية ومرافقوهم لحضور القمة العربية في الدورة الـ29. وهي كمعظم التي سبقتها تأتي في مرحلة تأزم في تاريخنا العربي. وفي خلفية تناول وسائل الإعلام المحلية والإقليمية والبعيدة للقمة، وتركيزها على الأزمة السورية واليمنية المتردية إلى أوضاع مأساوية، ودمار لكل البنى الحضارية, هناك خبر آخر تبث تفاصيله وسائل الإعلام عالميًّا، وتركز عليه الحوارات مع المحللين السياسيين المتخصصين في المنطقة العربية. ويأتي تناولهم له من زوايا نظر مختلفة, وتوقعات وتكهنات تحفها الرغبوية حول تفاصيل ونتائج قصف صاروخي من الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا لمواقع صنع وتخزين السلاح الكيماوي الذي يُتهم النظام السوري باستخدامه ضد المواطنين. التهمة إن أثبتتها الأدلة القاطعة لا يمكن أن يبررها أي طرف. ولكنّ أطرافًا كثيرة تشكك في ذلك، ولأسباب ترتبط بمواقفها ومصالحها هي, وليس مصلحة الشعب السوري الذي فاقت معاناته قدرة احتماله, وتشرد ملايين منهم في أصقاع الأرض هروبًا من الموت المستشري في الديار.
ما يجري في سوريا واليمن يدمي قلوبنا, ووراءه تدخُّل إيران بمالها وحرسها وأسلحتها وصواريخها المهربة إلى البلدَين العربيَّين. وقبل ذلك تسللت إلى لبنان عبر احتضان «حزب الله», ثم إلى الفراغ الذي تركه تدمير جيش العراق بعد مهزلة غزو العراق للكويت، ثم الغزو الأمريكي للعراق.
يومها كتبت قصيدة متألمة، قلت فيها: «كأن العروبة حمل كفن».
نظام الآيات الفارسي مستمر في استزراع الفوضى عبر استثارة النعرات الطائفية في الجوار. ولا بد للعرب الشيعة أن يعوا ذلك؛ فإيران تتدخل ليس حبًّا فيهم ولرفع مظلومياتهم, سواء كانت حقيقية، أو مختلقة، أو متوهمة. نظام الملالي يحرض ويدرب لتحقيق أهدافه الخاصة، وطموحاته في الهيمنة على الجوار، ويتغاضى رغم صخب شعاراته ظاهريًّا عن المستفيد المتخفي, الصهيونية التي تعمل بصمت لتحقيق أهدافها بالسيطرة الاقتصادية والسياسية على كل الجوار. وأن يتحقق تمزق الجوار دون أن تفقد جندًا أو عتادًا وضعٌ يخدمها، ولا تتورع عن تشجيعه ولو باختلاق سيناريوهات، وتزييف الحقائق؛ لتستنفر الأطراف لمزيد من التنافر والصراعات الدموية.
نكاد كعرب لا نجد مساحة للاستمتاع بما يستجد من منجزاتنا. تتصاعد الاشتباكات، وتتوالى الزيارات، وتُعقد القمم والاجتماعات, ونحن العقلاء ندعو أن نقضي على الإرهاب والإقصائية والغلو والتطرف, وكلها غابات شوكية مسننة ومسممة، توالدت بفعل فاعل. ونأمل أن يستتب السلام؛ لننصرف إلى بناء أوطاننا بهدوء وتصميم وإصرار على الإنجاز لا التدمير.
حقيقة، لا وقت للانتظار..
هناك إرهاصات بانفراج بعض الأزمات: رفض عالمي وأممي للقرارات التي تهدد بالمزيد من الاشتعال في شتى أصقاع الأرض - ونحن في المنطقة العربية على رأسها - واتضاح للدور الذي تقوم به إيران ومَن يواليها, وتقارب في وجهات النظر الرسمية عربيًّا, وتصدع في جبهة النظام الإيراني بين الإصلاحيين والمتشددين. وبينما يبدو ظاهريًّا من مكابرة صخب إيران داخليًّا وخارجيًّا أنها مصرة على سياساتها العدائية وأطماعها التوسعية إلا أنها تحت الضغوط عليها من كل الجبهات، من مواطنيها وجيرانها والقوى العظمى، لا مفر لها - طال الزمان أو قصر - من تغيير سياسات النظام الحالي، وربما قياداته.
لا نريد أن تكون العروبة حمل كفن, بل ثقافة انتماء، يفخر بارتداء حلل الباحثين والمهندسين والأطباء والمهنيين والتقنيين المتخصصين, وحمل معداتهم لصنع حاضر نبنيه ويبنينا، وتجسيد حلم نستحقه.
ولا وقت للانتظار..