عبد الله باخشوين
لكل، صورة، قراءة تحمل عدة معانٍ ودلالات.. ومنها قراءة صورة (الوسطاني) من الأبناء بين أقرانه وإخوته وعارفيه.. لأن كل منهم يحمل له صورة خاصة؟!
في أحد البرامج (الأسرية) كان الحديث يدور حول شخصيته وما يمكن أن يتعرض له من شعور بعدم المساواة نتيجة لتوزع عاطفة الأبوين بين الأخ الأكبر والأخ الأصغر.. ولأن المشاركة في الحوار كانت مقتصرة على متخصصين شبان جل حديثهم كان يدور حول ضرورة المساواة.. ومراعاة مشاعر (الأوسط) بين أخويه حتى لا يشعر بـ(الظلم).. أو الحرمان العاطفي.
كان الحديث - في مجمله - يدور بطريقة علمية حديثة.. عندها التفت لزوجتي وقلت ساخراً:
- الله يرحم زمان؟!
وأمام استغرابها سخريتي.. قلت موضحاً:
- هذا الكلام ناقص ومبتسر.. وله وجه آخر لا أحد يتطرق له؟!
أخذت أقول كلاماً بدا أنها من واقع دورها كأم لا توافق عليه.. لكن شتان بين المفهومين لأنها كانت تعتقد أني أتحدث كـ(أب) فيما كنت أتحدث كـ(ابن).. وجاءت (هدرتي) كالتالي:
- لا يوجد (وسطاني) واحد في الأسرة؟! إلا في القليل النادر.. لأن العدد النهائي للأبناء لا يعلمه إلا الله.. وسمة الوسطاني أو الأوسط قد تنطبق على ستة أو خمسة أو أكثر أو أقل لكن كلهم في الوسط بين الأخ الأكبر والأخ الأصغر وبمعني (ما) كلهم (وسطاني).. وكلهم يقدرون الكبير ويلعنون (سلسفيل) الصغير .. لكن من هو الأوسط بينهم؟!
إنه سمات خاصة جداً جداً... قد تجدها في أكثر من واحد.. هذه السمات يمكن قراءتها بطريقة لا تخضع لمقاييس علمية محددة لكنها تتبلور بالفطنة والفطرة ربما. ويمكن قراءتها.. عبر الأبوين أولاً؟!
يستطيع هذا الوسطاني- أياً كان ترتيبه بين إخوته- أن يسيطر على مشاعر الأبوين وينتزع لنفسه مكاناً مميزاً فهو يختط لنفسه طريقاً (خاصاً) بين إخوته.. ذلك إنه يعرف أخطاء الكبير ويعرف الأسباب التي تغضب والديه منه فيتلافاها تماماً.. ويعرف (حماقات) الصغير التي تغضب والديه وتجنبها.. يعرف أن هناك من يتحاشى العقاب بالكذب حتى في بعض الأشياء التي لا يجوز الكذب فيها ويعرف حجم الغضب المضاعف وعقاب الكذب.. فلا يكذب حتى لو أن الحقيقة ستعرضه للتوبيخ أو العقاب.. يعرف (الأشياء) التي تفرح أبويه فيحرص على القيام بها.. وخلال رحلته هذه يستطيع أن ينتزع من أبويه (عاطفة عقلية) تقوم على الثقة.. وتنمو بالاعتماد عليه والإعجاب بحسن تصرفه.. ويصبح مؤتمناً على الخصوصيات والأسرار.. اعتماداً على حرصه وتكتمه.. ويصبح هو الوسيط الذي يلجأ إليه إخوته لتحقيق الطلبات التي لا يستطيعون طلبها بفعل تراكم أخطائهم.
فوق هذا وذاك هو قارئ جيد لـ(الأفكار) ويستطيع قراءة أفكار أبويه ويحقق ما يرضيهما قبل أن يطلبا منه...
أشياء كثيرة جداً يمكن الحديث عنها عند محاولة تحليل شخصية هذا الأوسط... لعل أهمها.. زهده في الحصول على ذلك (الدلع) والعاطفة الوجدانية التي يحرص إخوته على استدرارها من أبويهم.. ويرتوي من العاطفة العقلية التي لا تزيد أحياناً عن ابتسامة رضى.. أو نظرة تفيض بالحب والحنان.