عبده الأسمري
وجَّه بوصلة حياته نحو ساحات الخير؛ فركض فيها مجاهدًا في سبيل العطاء، ونذر وقته لخدمة «المحتاجين»؛ فكان «أبًا حانيًا» جابرًا للخواطر، ومصدرًا للعون.. تعلَّم «التجارة» من ميادين العصامية؛ فشكَّل سيرته الأولى من تفاصيل الشقاء حتى رسم حدودها بالفكر، وخطط مساراتها بالصبر.
إنه رجل الأعمال الشيخ يوسف الأحمدي، أبرز تجار العقار، وأحد رموز العمل الخيري بالسعودية..
بوجه مسجوع بالوقار، ومحيا عامر بالنبل، تميزه لحية كساها المشيب، وعينان مكتظتان بالنباهة، وكاريزما تتقاطر منها علامات السكينة، وصوت تطغى عليه اللهجة المكاوية المشبعة بعبارات التيسير واعتبارات اللباقة، وتنطلق منها مفردات تجارية، تنطق بالأرقام، وتزدحم بالنسب.. يطل الأحمدي وجهًا للخير، وواجهة للتطوع.. وجهة بشرية مفعمة بالمد الخيري، والزهد الذاتي، حاضرًا في محافل الخير بعطاء صاحب البصمة، وناضرًا في مواقع المسؤولية برداء العقاري الخبير، وسخاء عضو المجتمع البار، وابن البلد المستشار الناهل من ينابيع التربية، والمنتهل من جداول الخبرة، واضعًا إمضاءات الفرج دليلاً، وإضاءات الغوث استدلالاً في ذاكرة الإنسان، واستذكار الأماكن.
في العتيبية (أحد أشهر أحياء مكة الشعبية) وُلد وجال طفلاً ملتحفًا بروحانية المكان، وطمأنينة الأجواء.. منجذبًا إلى اتجاهات «التجارة»، ومواجهات «المرحلة» في بيئة ترفل بالطيبين، وتحتفل بالعصاميين.. فركض بين شعاب أم القرى مخطوفًا إلى البسطاء مشفوعًا بنصح أب، وحنان أُم، علَّماه «حب المساكين»، ودرَّساه «إعانة الفقراء»؛ فتشكلت في ذاكرته «ساعات الكدح اليومي»، و«مسارات الشقاء المستديم» التي كان يشبع بها روحه وهو يراقب المجاورين من سكان الصفيح ومن صائدي الرزق في حيه العتيق بالمهن المعتق بأصوات الحرفيين وهي تختلط بهديل حمام الحرم في فجر مكة؛ لتعلن «يومًا حافلاً باليقين»؛ فارتسمت في ذهنه خارطة الحياة وخطوط المستقبل منذ سنواته العشر الأولى.
في ركن قصي قضى الأحمدي وقتًا وهو يدرس مرحلته الابتدائية مراقبًا لنشاط حلقة «جرول» الشهيرة بحركة تجارية لا تهدأ؛ فكان يرقبها فجرًا وهو يتأهب ليوم دراسي «روتيني»، ويتوثب «لحلم تجاري ثائر»، غلب عقله، وهزم دافعيته؛ فرجَّح كفة التجارة التي سرقته من مقاعد الدراسة؛ فانضم طفلاً «نبيهًا» و«تاجرًا صغيرًا» بين خبراء السوق المكاوي الأشهر؛ فبدأت ملامح المستقبل تتبارى في ذهنه معلنة «الخطوة الأولى»؛ فاكتفى بالصف الرابع الابتدائي؛ لينخرط في تجارة الدجاج والبيض مسجلاً أرباحًا مذهلة قياسًا بسنه، ومرسلاً تنبؤات باكرة لمشروع تجاري بشري نادر. برزت الموهبة، وجادت الدافعية؛ فاتجه الأحمدي لتجارة الأغنام محققًا أمنيات متسارعة، ثم سار في ركب «تجارة الأب»؛ فدخل سوق معارض السيارات في العزيزية آنذاك.
ثم تبلورت في ذهن الأحمدي كيمائية «الميول»؛ فانجذب لمكونات «البناء والتعمير» دامجًا بعقلية فذة بين الأسس والأدوات والنتائج؛ فقرر خوض التجربة «الأهم»، وهي العقار الذي بدأه بخمسة آلاف ريال في شراكة ومساهمات، تطورت إلى «صفقات واستثمارات» نمت سائرة بين طرفَي «التوفيق» و«الذكاء»؛ فبدأت ملامح «التاجر»، وأضحت مطامح «العقاري» ترتسم على عقود كبريات شركات «العقار» تحت توقيعه، وتحولت الخطوات إلى ثبات ووثبات؛ فبات الأحمدي شريكًا مؤسسًا في شركات «جبل عمر» و«درب الخليل» و«الشامية» و«المدعى»، وكذلك «التيسير» و«المسيال» و«أعمار أحياد».. وهو عضو في لجنة المسؤولية الاجتماعية بغرفة مكة المكرمة، وعضو في لجنة نزع ملكيات توسعة الساحات الشمالية للحرم المكي، وكذلك عضو في مركز حي الحمراء، وعضويات مختلفة، ومشاركات اجتماعية، ومساهمات متنوعة في المجتمع المكي.
للأحمدي بصمات مضيئة في سجلات التخطيط المكي؛ إذ قدَّم تصورًا هندسيًّا لتحويل المنطقة المركزية من أحياء شعبية إلى مواقع فندقية فاخرة، تضم الأسواق الحديثة والخدمات كافة.
متعددة هي المهام الإنسانية، ومتجددة تلك الهمم الخيرية في سجل الأحمدي الذي تشهد له وقفات صدق، ومواقف فضل أمام طلبات مكلومين، أو عبرات محتاجين، أو صرخات مساكين؛ فكانت سريته في قضاء حاجاتهم «علنًا» في دعوات وابتهالات أصحاب حاجات، سيظلون شهود عيان وشهداء يقين.
يقف الأحمدي بالمسافة ذاتها من تحديات الزمن ينظر بحكمة، ويفكر بحنكة، يتكئ على رصيد في قلوب الآخرين، ويرتهن لمشوار ملأ جنباته بحب الأوقاف وعشق الصدقات وهواية الإغاثة.. متخذًا من الأمانة نبراسًا، ومن الصدق توقيعًا، ومن الطموح والتخطيط والخبرة أدوات لصناعة «النجاح العقاري والفلاح الاستثماري بكل تفاصيله».