عمر إبراهيم الرشيد
هل بدأت مؤسسة جائزة نوبل مرحلة هبوط في معاييرها أو طريقة عملها بشكل عام؟ على الأقل هذا ما بدا للعالم قبل أيام معدودة، حين فاحت روائح فساد في دهاليزها بعد أن كشف عن دعم مالي بواسطة عضوة لجنة جائزة نوبل للأدب الشاعرة كاترينا فروستنسون لصالح زوجها الفرنسي الأصل الذي يدير مركزاً ثقافياً وفنياً في ستوكهولم، وهو بدوره متهم بإقامة علاقات جنسية متعددة . قد يقول أحدنا وصلت هذه الفضائح إلى رؤساء دول ومن بينها الولايات المتحدة، هذا غير خاف بالطبع، لكن أن تصل مثل هذه الفضائح إلى كيان ينظر إليه كفنار هو من الارتفاع بحيث يهتدي إليه قباطنة بحر الفكر والعلوم والثقافة دون عناء، فتلك علامة على تدهور قيمي وفكري لا تخطئه العين . ولعل النظرة إلى مؤسسة الجائزة ليست وليدة اليوم، فقد ذهل الكثيرون حين منحت جائزتها للأدب إلى المغني الأمريكي بوب ديلان عام 2016 ، فهل عجزت لجنة الجائزة عن إيجاد من يستحقها من الكتّاب والروائيين والشعراء؟! الأسوأ من ذلك أن الشاعرة وعضو الأكاديمية سبق وأن أفصحت مقدماً عن أسماء سبعة فائزين بالجائزة قبل الإعلان الرسمي، وهذا يعد خرقاً لمهنية عمل المؤسسة وسرية إجراءاتها التي تعد مكوناً للحيادية والنزاهة.
ترى هل هذه بداية تحول في مسيرة مؤسسة نوبل، الذي أسسها المخترع السويدي الفرد نوبل عام 1895م محاولة لإرضاء ضميره وتكفيراً عن ما أحدثه اختراعه للديناميت لاستخدامه لأغراض حربية، ومعلوم أن هذا الاختراع تسبب في مقتل أخيه مما ولّد لديه هذا الشعور العميق بالذنب. هي مرحلة تحوّل وتغيّر دون شك، فإما أن روائح الفساد هذه تنبه المؤسسة بكامل هيكلها إلى أن عملية إصلاح واسعة ينبغي إجراؤها نتيجة العطب مصدر تلك الروائح، أو أنها ستفقد مصداقيتها سريعاً. ومعلوم أن الاستقالات شملت حتى أمينتها العامة سارة دانيوس إضافة إلى ثلاثة آخرين من أعضاء اللجنة.
كقراءة بين سطور الخبر، فإن الفردانية والتوحش المادي والانفلات القيمي قد بلغ درجات مخيفة في دول تتبنى الديمقراطية الغربية (التي أتت نتاج صراعات وحروب بينية أوروبية على مدى قرون خلت)، وأقرب دليل أنها طالت كما قلت مؤسسات محسوبة على الرقي في الأهداف والمنهج. ولا يعني هذا أن الشرق أو العالم الثالث أطيب حالاً والقارئ يغنيه الحال عن الشرح، إنما الإفصاح وكشف الحقائق لديهم، ومؤسسة الجائزة مثال، إضافة إلى شيوع ثقافة الاستقالة إن صح التعبير، وقوة تطبيق القوانين، هي آليات وسلوك مهني يساعد على قوة المؤسسات وعملها لدى الغرب. لكن كما قلت فأصل المشكلة في رأي كثير من المفكرين بمن فيهم غربيون، أن التغوّل الرأسمالي وطغيان الحرية الفردية والشره المالي والجنسي كذلك، كلها معاول هدم للحضارة الغربية وأي حضارة عموماً وعلى مر التاريخ.