عماد المديفر
أكد معالي وزير التعليم الدكتور أحمد العيسى بأن اختراق التعليم السعودي في جميع مراحله، عام، وعالٍ، من قبل تنظيم الإخوان المسلمين الإرهابي؛ حقيقة لا تقبل النقاش، وأن المملكة ماضية في اجتثاث كل من ينتمي لهذا الفكر، أو يتعاطف معه، في فترة قصيرة جداً، وأنه جارٍ العمل على تنقية المناهج التعليمية مما اعتراها من اختراقات فكرية إخوانية.. جاءت هذه التصريحات بعيد لقاء سمو سيدي ولي العهد على قناة CBS الأمريكية الذي ذكر فيه بلا مواربة أن التعليم السعودي مخترق بشكل كبير من قبل العديد من عناصر منظمة الإخوان المسلمين، الذين لا يزال البعض منهم موجوداً إلى اليوم بحسب تصريحات سموه، مشدداً -أيده الله ورعاه- على أننا سنجتثهم سريعاً وبشكل نهائي وفي وقت قريب؛ وهنا يتساءل المرء: لماذا انتظرت وزارة التعليم كل هذه الفترة، لتعلن الآن فقط عن اختراق التعليم، بعيد حديث سموه؟ وحيث كان سموه قد أشار صراحة إلى (اختراق عناصر من منظمة الإخوان المسلمين) الإرهابية، وأن (عدد منهم لا يزال موجوداً) كعناصر بشرية؛ فينبغي ألا نرى من الآن فصاعداً أية محاولات خبيثة لتحجيم هذا الاختراق وهذا الغزو، وتحويره إلى مجرد (تأثر فكري) فقط، جاء كنتيجة لوجود عناصر إخوانية غير سعودية دخلت السلك التعليمي السعودي في الستينيات الميلادية، وكأنها أثرت ثم خرجت وعادت لبلادها.. ولم يبق إلا (أثر أفكارها) وبعض المتأثرين هنا وهناك!
ماذا عن العناصر الذين تحدث عنهم سموه بأنهم لا يزالون موجودين في (المدارس السعودية؟.. أي هل الاختراق هو فقط اختراق (فكري) أم أن الموضوع أكبر كما أشار سموه بكل صراحة وشفافية ووضوح؟ لقد بدأت محاولات هنا وهناك، وتصريحات من هنا وهناك سعياً إلى «تحوير» خطاب سمو سيدي ولي العهد، من حديث عن «غزو عناصر وفكر» صريح، ولا يزال قائماً بالشكلين المذكورين، إلى حديث عن مجرد «تأثر فكري»؟ وتعديل للمناهج فقط؟!
هنا حقائق ينبغي أن نتوقف عندها.. الأولى: أن للإخوان المسلمين بالفعل تنظيماً داخل المملكة مكوناً من عناصر سعوديين، لا يزالون موجودين إلى اليوم، وأن هذا التنظيم يتسم بـ «السرية»، و»الشبكية».. وَإِنْ كان في بداية تكوينه قد استهدف التعليم، فإن التعليم بحد ذاته لم يكن هدفاً، بل الوسيلة لتجنيد العناصر السعوديين المميزين من طلبة المدارس في الستينيات والسبعينيات والثمانينيات الميلادية، وليصبحوا فيما بعد العناصر الذين يتم من خلالهم اختراق الدولة من داخلها، وبأبنائها، ولينتشروا في جميع الوزارات والجهات الكبرى والمهمة والحيوية في القطاعين العام والخاص.. وليصبح من هؤلاء قادة، ومن أبناء عوائل وأسر قبائل سعودية عريقة.. لقد ذكر سمو مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة الأمير خالد الفيصل -يحفظه الله- في أحد اللقاءات معه عبر قناة العربية قبل عدة سنوات، بأن هناك بالفعل العديد من الوزارات والجهات الحكومية في المملكة مخترقة من عناصر الاخوان، وذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: «التعليم، والشؤون الإسلامية، والإفتاء، والإعلام وغيرها».. وهو ما كشفته فلتات لسان قيادات تنظيم الإخوان المسلمين في كتبهم ومذكراتهم، ومنها ما ذكره سيد قطب ذاته في ذلك الحين من أن «الإخوان في السعودية منظمون جداً»، والأكيد أنهم اليوم أضحوا أكثر تنظيماً، ومهارة، وحرفية..
وأما عن أهمية الفرع السعودي في التنظيم الأم، فهم يلون مباشرة التنظيم المصري، بل ويوازونه بالأهمية، غير أن المرشد العام دائماً ما كان مصرياً، يقول مفكر الإخوان الكويتي عبدالله النفيسي: «مجلس الشورى العام الذي يمثل السلطة التشريعية لجماعة الإخوان المسلمين» يتكوّن من 38 عضواً.. ثلاثة أعضاء ثابتين بالتعيين مباشرة من المرشد العام وبموافقة مجلس الشورى العام (أخ سعودي وآخر سوري والثالث مصري) و2 من تنظيم الأردن و2 من اليمن و1 من العراق و1 من الإمارات العربية المتحدة و1 من البحرين و2 من السعودية» أي أن السعوديين يأتون بالمرتبة الثانية من حيث العدد في مجلس الشورى العام.
إذن؛ ففي حين أنه لم يكن هناك إخوان مسلمون سعوديون في الستينيات، فإنه ومع منتصف السبعينيات أصبح لدينا بالفعل عناصر اخوانية سعودية فاعلة، وأنهم كانوا الرافعة التي أنتجت لنا ما يسمى بـ (الصحوة) التي ظهرت إرهاصاتها منذ ذلك الحين، وتكشفت بوضوح مع نجاح ثورة الخميني في إيران عام 1979م ولذلك تفصيل ليس هنا مجاله.
بيد أن الحقيقة الثانية؛ هي أن هؤلاء الإخونج، هدفهم بكل وضوح إسقاط هذه الدولة بأي وسيلة يرونها متاحة أو مناسبة، نَفَسُهم في ذلك طويل جداً، وخططهم بعيدة المدى.. وقد تتكامل هذه الوسائل والأساليب والتكتيكات، وربما تتقاطع في بعض الأحيان، فينكر بعضهم على بعض إن استدعت ظروف المرحلة، ويبلغ بعضهم على بعض لزوم (التقية)، وقدوتهم في ذلك حسن البنا نفسه حين أصل ذلك في خطابه الشهير بعيد عملية اغتيال المستشار الخازندار، فتبرأ من الفاعلين رغم أنه هو من وجههم لفعل ذلك، فقال مقولته الشهيرة: «ليسوا بإخوان، وليسوا بمسلمين»، يقول صلاح الصاوي في كتابه الثوابت والمتغيرات «مصلحة العمل الإسلامي قد تقتضي أن يقوم فريق من رجاله ببعض هذه الأعمال الجهادية، ويظهر النكر عليها آخرون، وهذا هو منهج واحد يفجر والآخر يستنكر».
الحقيقة الثالثة التي أختم بها؛ أن المملكة العربية السعودية أعلنت الإخوان المسلمين جماعة إرهابية منذ مارس آذار 2014، حظرت الانتماء إليها أو لفكرها أو تأييدها أو التعاطف معها أو الترويج لها أو لفكرها، وأن من يخالف ذلك بأي شكل من الأشكال منذ ذلك التاريخ سيتم محاسبته على كافة ما سبق، ومنذ ذلك التاريخ، وحتى الآن.. لم نر أو نسمع عن القبض على عناصر من التنظيم في المملكة، بل ولم نسمع عن (تطهير التعليم) وأبعاد من تلوث بلوثة الإخوان؛ إلا بعد أن صرح بذلك نصاً سمو سيدي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان -أيده الله ورعاه-.. فأين كان مسؤولو التعليم قبل ذلك؟ وهل سينتظر مسؤولو الوزارات والجهات الأخرى تصريحات علنية مماثلة كي يتحرك كلٌ فيما يخصه، لتطهير وزارته؟!
لقد قال سمو سيدي ولي العهد بوضوح أن عناصر من الاخوان لا يزالون موجودين، وأننا سنجتثهم، فالكرة الآن بملعب الجهات التنفيذية المعنية بكافة أشكالها.. نريد أن نرى ونسمع فعلاً على الأرض، لا سيما أننا في عهد الحزم والعزم، وأن أي مسؤول، كائناً من كان، يقصر في أداء مهامه ومسؤولياته المناطة به، وعلى رأسها التوجيهات المباشرة الصادرة من أعلى هرم الدولة، فإنه لن يكون بمنأى عن المحاسبة، وليكون عبرة لغيره من المقصرين أو المتخاذلين أو المسوفين أو المميعين..
فهؤلاء العناصر المنتمون إلى الإخوان، والمخترقون لأجهزتنا، ليسو أشباحاً.. تماماً كما أنهم لا يحملون (كرنيهات) أو بطاقات عضوية! أو مكتوب على جباههم أنهم إخوان!
إلى اللقاء.