عبدالعزيز السماري
تمر المنطقة العربية بمنعطف خطير بعد ظهور مواقف قد تؤدي إلى نزاع دولي أو عالمي على أرض سوريا، وما يحدث في أرض الشام موجز لقرون من المفاهيم السياسية الخاطئة عند العرب، وقد وصل العرب إلى هذه المرحلة بسبب تردي أحوالهم السياسية، ونكوصهم إلى عصور الغاب والتوحش، فالرئيس يريد الحكم، ولو كان على جثث شعبه، ولا يخلو الأمر من طائفية دنيئة أيضاً، صنعتها عقول مريضة في عصور الانحطاط العربي والإسلامي.
ما يجري في سوريا هو نتيجة لإفرازات الموروث السياسي العربي، الذي لا يتردد في قتل شعبه إذا خاف من أن يفقد كرسي الحكم، وهي حالة تكررت في التاريخ العربي في هذا العصر، وتخلو من العقلانية والوطنية، وقد رسختها الأساطير العربية الموروثة في السياسة والحكم.
فهم مازالوا يؤمنون عن قناعة أن عبدالرحمن الداخل هرب من جحيم العباسيين إلى الأندلس وأسس دولة للأمويين بمفرده، وأن العباس نال شرف صفة السفاح لكثرة قتله لخصومه السياسيين، وأن سعد بن عبادة قتلته الجن بعد خلاف السقيفة، وأن جمال عبدالناصر زعيم متوج لأمة العرب برغم من اغتياله للديموقراطية في مصر أثناء الحكم الملكي، وأن صدام حارس البوابة الشرقية برغم من اغتياله للعراق ومثقفيها وأحزابها السياسية..
ما لم يفهمه بعض الساسة العرب أن السياسة تعني حكم الدولة ومؤسساتها، لكنها لا تعني السلطة أو التسلط بمفاهيمها البدائية والسلبية، الدول تقوم وتدوم على التنظيم السياسي والإداري، وتسقط إذا مارس السياسي سلطته بلا حدود أو رقابة، والسياسة عند العرب تعني بالفعل التسلط أو التنمر على الآخرين، مما يفتح الباب في أن يتدخل الخارج تحت ذريعة إنقاذ الشعب من تسلط الحاكم..
عبّر زياد بن أبيه في خطبته البتراء عن مفهوم السياسة عند العرب بشفافية نادرة، والتي قال فيها: «إني أقسم بالله لآخذن الولي بالمولى، والمقيم بالظاعن، والمقبل بالمدبر، والمطيع بالعاصي، والصحيح منكم في نفسه بالسقيم حتى يلقى الرجل منكم أخاه فيقول: انج سعد فقد هلك سعيد»..
فسر العلامة ابن عابدين - الحنفي مقولة الفقهاء أن السياسة شرع مغلظ في قوله: إن السياسة تجوز في كل جناية والرأي فيها إلى الإمام، كقتل مبتدع يتوهم منه انتشار بدعته وإن لم يحكم بكفره..، ولذا عرفها بعضهم بأنها تغليط جناية لها حكم شرعي حسماً لمادة الفساد، وقوله: لها حكم شرعي معناه أنها داخلة تحت قاعدة الشرع، وإن لم ينص عليها بخصوصه، ولذا قال في البحر: ظاهر كلامهم أن السياسة هي فعل شيء من الحاكم لمصلحة يراها، وإن لم يرد بذلك الفعل دليل جزئي.
هذا الموروث بفتح الباب في أن يكون مفهوم السياسة هي السلطة الغليظة، وليس حكم القانون والمؤسسات، وهذا التعنت عادة ما يؤدي إلى النهايات الدموية، مثلما حدث بعد نهاية الدولة الأموية، وبعد سقوط صدام والقذافي، وما تعانيه سوريا بسبب إصرار بشار على كرسي الحكم..
ما يجري من انحطاط واستباحة للخارج لأراضٍ وبلدان العرب سببها هذه المفاهيم البدائية للسياسة، فالأحوال تغيرت والشعوب تطورت، وإذا تبدأ مرحلة جديدة تنطلق من مفاهيم سياسة عصرية، لن تغادر الصواريخ والدبابات الأجنبية أراضينا العربية، وربما احتلالها لفترة طويلة، كما يجري في سوريا الآن..
خلاصة الأمر أن السياسة عند العرب تفتقد للعقلانية والعصرنة، ومازالت تعيش في الماضي، وعادة ما تقود البلاد إلى الهلاك والدمار، وإذا لم يبدأوا صفحة جديدة في فصل السياسة الحديثة وما تشتمله من حكم للمؤسسات وتشريع للحقوق سيظلون محوراً دائماً لقرارات مجلس الأمن وتدخلات الدول الكبرى في بلادهم..