د. محمد عبدالله الخازم
نشرتُ كتبًا عدة، ولم يكن للجامعة دور في دعمي، سواء عن طريق النشر، أو الشراء، أو حتى التقدير المعنوي. في إحدى التجارب اقترحتُ على مدير الجامعة -حينها- كتابة المقدمة. وبعد انتظار طال لم يفعل. وقد أخبرني لاحقًا بأن كتابة مقدمة كتاشب حول التعليم العالي مغامرة لا يتحملها! أحد مؤلفاتي فاز بجائزة وزارة الثقافة والإعلام بوصفه أفضل مؤلَّف سعودي في مجال التعليم، ورغم ذلك لم تشترِ أي جامعة سعودية نسخة منه، وبعثتُ نسخ إهداء منه لمسؤولي الجامعات، ومنهم جامعتي، فلم يرد علي أحد منهم، ولو لمجرد جبر الخواطر، والتحفيز المعنوي! وحين طلبتُ من جامعتي تطبيق اللائحة القاضية بمنح مكافأة لعضو هيئة التدريس الحاصل على جائزة تقديرية رفض المسؤول الفكرة، ولم يسمح حتى بمناقشتها في المجالس اشلأكاديمية للجامعة بحجة أنه كتاب نقدي للتعليم العالي. علمًا بأن الجائزة تم تحكيمها علميًّا من قِبل أساتذة متخصصين، اختارتهم وزارة الثقافة بعناية. لستُ أشتكي، ولا أستجدي دعمًا بقدر ما أطلب السلامة؛ فغيري حصل لهم تجارب مشابهة، ومنهم معالي وزير التعليم.
السبب في ذلك هو أن جامعاتنا مشحونة بالقلق والخوف من الفكر الحُر، وتخشى النقد، وتتمترس خلف لائحة جامدة، ترى الكتاب الجامعي مجرد مقرر 101؛ وعليه فإن المقررات - وبعضها مجرد أوراق صفراء، يتم تجميعها في مذكرات تسمى مقررات - هي التي تكسب في جامعاتنا. تفهمتُ ما يحدث لي باعتبار ما أكتبه مجرد اجتهادات متواضعة، وذات حساسية في مواضيعها، لكني فوجئت بحجم الكتب المتميزة التي نشرها أعضاء قسم اللغة العربية بجامعة الملك سعود خارج جامعتهم، وبعضها فاز بجوائز محلية وإقليمية مرموقة جدًّا، ويمكن الاطلاع على بعضها تحت وسم #إصدارات_منسوبي _القسم. هي ليست مراجع دراسية إذا ما اعتبرنا المقرر الجامعي مجرد كتاب واحد، يتم تدريسه كما يحدث في أولى ابتدائي، لكنها جادة علميًّا، وتستوفي الشروط العلمية للنشر، وتُستخدم كمراجع في البحث والتدريس بالتخصص، ويُفتخر بها بوصفها إنتاجًا وطنيًّا ثقافيًّا. ما الشروط التي تريدها جامعة الملك سعود - وهي هنا نموذج لغيرها من الجامعات - لتنشر مؤلفات أعضائها؟ هل يتحاشى أعضاؤها النشر عن طريقها لعدم وجود الحوافز؟ أم لوجود العوائق البيروقراطية الأكاديمية المصطنعة؟.. شخصيًّا أميل للسبب الثاني لمعرفتي بأن الأساتذة لا يرتجون أموالاً طائلة من وراء النشر، وفي حالات عديدة يخسرون أكثر مما يكسبون، وإنما دافعهم هو الرغبة المعرفية والثقافية بالدرجة الأولى..
نحن بحاجة إلى دعم وتشجيع النشر والترجمة لمختلف المعارف والعلوم، سواء أُلفت كمراجع مباشرة، أو كانت مجرد نتاج فكري وثقافي متميز. وبتقاعس الجامعات والمؤسسات الثقافية الأخرى يبدو أنه لا يوجد دعم حقيقي للتأليف والنشر؛ وستبقى كل بحوثنا ودراساتنا مجرد قراطيس للترقية، وسيبقى كل من الفكر والثقافة يقتاتان دعم الناشرين العرب لطباعتهما ونشرهما وتوزيعهما. أعتقد أننا نحتاج إلى تأسيس دار نشر ثقافية مشتركة للجامعات السعودية؛ لتعمل على نشر الإبداع والفكر والثقافة بعيدًا عن محددات اللوائح الأكاديمية الجامدة والبالية.. دار نشر، تساهم الجامعات في تأسيسها، وتكون غير ربحية، وذات استقلالية فكرية وتجارية.