محمد آل الشيخ
المملكة، كنهج استراتيجي، تسعى إلى تحفيز رجال الأعمال للاستغناء عن العمالة الأجنبية واستبدالهم بالمواطنين والمواطنات، وقد حقق هذا النهج نجاحاً ملحوظاً في مجالات عدة، بالشكل الذي جعلنا نلاحظ بوضوح المواطنين والمواطنات يعملون في المجالات التي كان يشغلها وافدون من خارج المملكة. فكرة الوزارة أن تجعل تكلفة العامل غير السعودي مكلفاً على رب العمل، الأمر الذي يدفعه لاستبدال العمالة الأجنبية بأخرى سعودية. ولكن هناك بعض الجوانب التي أغفلتها الوزارة في هذا التوجه الذي لا أحد يعترض عليه من حيث المبدأ. سأوجزها للتوضيح والاختصار في عدة نقاط:
النقطة الأولى أن عقد العمل الموقع بين الموظف وصاحب العمل، يحمي الموظف من تعسف صاحب العمل، ولكنه لا يحمي صاحب العمل من تساهل أو كسل أو تخاذل الموظف في أداء مهمته التي يباشرها بحكم وظيفته. إضافة إلى أن الموظف يستطيع أن يترك العمل في أي وقت يشاء، خلال مدة سريان العقد، ولا يترتب عليه أية عقوبات نتيجة لذلك، في حين أن صاحب العمل لا يستطيع أن يلغي العقد مدة سريانه، إلا إذا تغيب الموظف عن العمل مدة قدرها خمسة عشر يوماً. هذا إذا لم يكن لديه مبرر صحي يضطره إلى التغيب، أما إذا كان لديه مبرر يفترض أنه دفعه إلى ذلك، فلا يحق لصاحب العمل الاستغناء عنه.
النقطة الثانية عدم وجود سجل عملي لكل عامل أو موظف لدى وزارة العمل، يستطيع من خلاله صاحب العمل أن يعرف أن الذي يريد توظيفه في محل تجاري ملتزم، ومنضبط، وغير مستهتر؛ ووجود هذا السجل العملي مهم في ترسيخ السعودة، حيث من خلاله يستطيع صاحب العمل الاطلاع على سلوكيات وانضباط الموظف، ويجعله مطمئناً إلى أن من وظفه في عمل ما، هو موظف جاد، وليس له سوابق سلبية تؤثر في انضباطه في تنفيذ عقده.
النقطة الثالثة يجب ألا تشمل السعودة والرسوم المترتبة على توظيف الأجانب كل المجالات، فالمملكة دولة نامية، وتدريب الكفاءات الوطنية مازال أقل مما هو مطلوب، لذلك فإن هناك بعض مجالات الأعمال تفتقر إلى العمالة السعودية بشكل كافٍ يستجيب لما هو مطلوب في السوق، بل إن هناك بعض المهن مازال السعوديون يرفضون العمل فيها، مهما كانت حاجتهم المالية مُلحة، لذلك يجب أن تبتكر آلية يمكن من خلالها التفريق بين العمالة النادرة، التي لا مانع من استقطابها من الخارج دون تكاليف إضافية، والعمالة المتوافرة التي يمكن استبدالها بسعوديين. وهذه نقطة غاية في الجوهرية، فلا يمكن أن يجد من يعمل في مجال الصيانة والتنظيف مثلاً عمالة يمكن أن تعمل في هذا المجال بأسعار معقولة، في حين أنه مضطر أن يدفع على العمالة التي يجلبها من الخارج رسم الأربعمائة ريال الشهري، الأمر الذي يكتنف ذلك إجحافاً، ويؤدي إلى ارتفاع أسعار الخدمات في هذه المجالات.
النقطة الرابعة، وتكمن في قيام بعض شركات المساهمة والبنوك، بالتحايل على السعودة، من خلال التعاقد مع شركات تقوم بتوفير العمالة الأجنبية، بحيث تستغني عن توظيف السعوديين، وهذا ضرب من ضروب ذر الرماد في العيون، في حين أن الموظف الأجنبي مازال يشغل وظائف بإمكان السعوديين القيام بها.
وما قلته في هذه العجالة هو غيض من فيض، وهو يمكن أن يكون سبباً رئيساً لهجرة رؤوس الأموال السعودية إلى دول الخليج للاستثمار هناك حيث لا يوجد أي ضرائب لاستقدام العمالة الأجنبية.
إلى اللقاء..