نادية السالمي
قالها يائسًا مما وصلت إليه الحال «من المفترض أننا أنهينا الدهشة منذ زمن، وصار كل شيء قابلًا للتصديق».
ونحن نعيد قراءتها اليوم على وجه غير الذي خلقت له. نقولها لنتفاءل، ولنمسح عن ملامحنا علامة الدهشة من تخلف عدد كبير من الشباب عن الانتخابات في مصر وخروجهم لوداع الدكتور أحمد خالد توفيق.. فحين نعتقد أن الشباب لا يقرأ ولا يعنيه بقاء كاتب أو زواله نكون أخطأنا. ولعل هذا من محاسن سياسة المنطقة أن يلتفت الشباب إلى القراءة!
الدكتور أحمد خالد توفيق أُعجب بعبارة يقولها (روبرت لورانس ستالين): «أريد أن يُكتب على قبري (جعل الأطفال يقرؤون)»..
أما أنا فأريد أن يُكتب على قبري (جعل الشباب يقرؤون).
تحققت الأمنية، وكُتب على قبره ما أراد.
قوله الحق:
«إن نهاية الطغاة لشيء جميل لكننا - للأسف - لا نعيش غالبًا حتى نراها».
ثم إن «النهايات السعيدة استنفدتها السينما؛ فلم يعد باقيًا منها ما يكفي لعالم الواقع».
وهذا ما حصل؛ بقي طغاة العالم ورحل «أحمد خالد توفيق» بجسده الذي ينوء بالخيبات العربية المتلاحقة، وبقيت روحه لنسمو من خلالها حين نقرأ عن الكاتب الإنسان، والإنسان الكاتب، ونعرف كيف يتألم، وكيف يكتب.. كيف يواجه الظلام ولا يبحث عن الضوء. العراب ما زال باقيًا فينا، تعيش وتتنفس فينا أفكاره، وتراودنا على الطموح آماله.
فيما مضى بدون أن يرغمنا بالقوة كان يشدنا إلى عمق الأمور، ويتركنا للتفكير، ويسلمنا للوعي والتنوير. رحيل هذا الطبيب الروائي شدنا بقوة أكبر من تلك السابقة لنعود إلى عمق ما كُتب؛ لنجد في لجة الفقد كيف كان يحسن التوغّل في الظلام؛ لينير الطريق لأي عابر من حياتنا الدنيا إلى تلك الحروف، وبعذر «عمرو أديب» حين لم يعرفه ولم يسمع عنه إلا حين وفاته! فأنَّى له هذا؟!
فلسفة كاتب:
«دائمًا أتوقع الأسوأ، وفي كل مرة يتضح أن توقعاتي كانت الأسوأ من الحقيقة. هذا جعل الحياة بالنسبة لي سلسلة من المفاجآت السارة».
مات الروائي ولم ينتظر حتى عام 2023 ليخبرنا بنفسه هل جاء المستقبل بنبوءة مخبوءة في أسطر رواية أم أن كل ما جاء به هذا المستقبل من تأخر واستنزاف للأمل والإنسان أخف من المتوقع؛ فكان على السوء مفاجأة سارة؟!
بعض من نهره الجاري:
برع في كتابة روايات الخيال العلمي وقصص الرعب، مثل «ما وراء الطبيعة»، وهي سلسلة من الروايات الخيالية، بطلها في العدد الأول شخصية لطبيب مصري يتعرض لحوادث خارقة، بدأ إصدار السلسلة في 1993، وصدر منها حتى 2014 العدد الـ80 .
«فانتازيا» سلسلة، بدأ إصدارها عام 1995، وصدر عن السلسلة نحو 64 عددًا، وأصدر العديد من الروايات، منها «شابيب»، صدرت عام 2018، تحمل طابع المغامرات.
«في ممر الفئران» صدرت عام 2016، ويقول هو عنها إنها «معالجة مستوحاة ومطورة مع اختلاف جذري بالشخصيات والعمق والحبكة من قصته (أسطورة أرض الظلام التي كانت آخر مغامرات سالم وسلمى في سلسلة ما وراء الطبيعة)».
«السنحة» صدرت عام 2012، وتكشف سر اختفاء أحد أبطال الرواية. «يوتوبيا»، وقد ترجمت للفرنسية والألمانية والإنجليزية. صدرت عام 2008، وتناولت قصة أغنياء لا يعظمون إلا متعتهم، وفقراء يلهثون وراء لقمة العيش. ومؤلفات أخرى مثل سلسلة «سفاري» 1996، «قصاصات قابلة للحرق» و«عقل بلا جسد» و«الآن نفتح الصندوق» ولها ثلاثة أجزاء. كما ترجم عشرات الكتب والروايات، مثل رواية الرعب سلسلة «رجفة الخوف»، و«نادي القتال»، و«ديرمافوريا»، و«غداء الطائرة الورقية». وله مقالات عدة في الصحف والمجلات. ورغم هذا الزخم من العمل الدؤوب في النشاط الأدبي والثقافي استمر بالعمل في مجال الطب، وهو عضو هيئة التدريس واستشاري قسم أمراض الباطنة بكلية الطب جامعة طنطا.
شذرات للكاتب:
«لقد آمنتُ مؤخرًا أنني كبرت بما فيه الكفاية؛ لأنني أُفلت جميع الأيدي التي لم تشد على يدي».
«معظم الناس لا يحبون المنطوي، ولا يستريحون له بشكل عام. إنهم يفهمون أن تكون وقحًا، أو أن تكون صاخبًا.. أما أن تكون منطويًا مهذبًا غامضًا فهم يظنون بك الظنون». «لم يعد هناك مبررات أخلاقية؛ فلقد ماتت المخاوف الدينية منذ زمن؛ فلم يبقَ إلا هذا الخوف البرجوازي القديم: الخوف من الفضيحة».