د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
(1)
** وليس «الأخيرُ» منصرفًا نحو انتهاء الدراسات النحوية وانقراض النحويين كما لا يعني توقف العناية بهذا العلم ورعايته، ولكنَّ أبا أوسٍ الشمسان قد يكون آخر المعنيين بتعويم الدرس النحوي ونقله إلى الناس عبر زاوية صحفية عتيدة ممتدة منذ أعوام، ولأن صاحبكم من بيتٍ نحويٍ بحكم تخصص والده وبوجود مكتبته المنزلية – حفظه الله - التي تشغل كتبُ النحو الجزء الأكبر فيها بدءًا بكتاب سيبويه وليس انتهاءً بالنحو الوافي لعباس حسن فقد عشق النحو حتى رآه العلمَ العقليَّ المنطقيَّ المتجه نحو المعنى من بوابة اللفظ، وما يزال يؤذيه من «يلحنون ويربحون»، وليس أسعدَ على نفسه من أن يشهد نقاشًا في قضية نحويةٍ شائكة انصرف عنها الأكثرون وبقيت في ذاكرة عاشقي «التنازع والاختصاص والنكرة المقصودة ونعم وبئس وما جرى ماجراهما»، ويذكر – وهو طالب في المرحلة المتوسطة بمعهد عنيزة العلمي حين يمرُّ بفصول الثانوي عابرًا – أن دروس «شرح ابن عقيل» استوقفته وتمنى لو استطاع الدخول إلى الفصل ليفهم قاعدة: قطع الله يد ورجل من قالها و«أظن ويظناني أخًا زيدًا وعمرًا أخوين» التي يرتفع بها صوت أستاذيه «عبدالرحمن التركي وصالح العبيكي رعاهما الله» ، ويجزم أنه لو لم يحرف مساره الأكاديمي عن اللغة العربية لصار في النحو شيئًا مذكورا.
(2)
** عرف «أبا أوس» قبل أن يلتقيّ به؛ فقد ألتفت إليه بدءًا بسبب كنيته التي يكتب بها وتساءل من يكون، كما تابع كتاباته المنصرفة إلى العلم الأثير لديه، ثم وجد نفسه في لقاءٍ مباشر مع أستاذه حين قصده في مكتبه «الآخر» وقت أن كان المدير العام لإحدى مدارس الرياض الكبرى، وفهم أن لأبي أوس ابنةً أو قريبةً تدرس فيها، ولم يتحدثا بشأن تربوي أوشخصي بل جاء الشمسان – بتواضعه الجميل – مهديًا إياه آخر نتاجه، وفيها عرض عليه صاحبكم الكتابة في «الثقافية» فكانت «مداخلات لغوية» الزاوية الثابتة التي لم تتخلف أسبوعًا واحدًا وتسكن مكانًا دانيًا ومكانةً عليا.
** كان ذلك لقاءهما الأول ثم الثاني في بهو أحد الفنادق بموعدٍ بينهما فإذا بأستاذه يقدم له ثلاثة كتب من تآليفه الجديدة، ويجد صاحبكم اسمه وكلماتٍ باذخةً عنه في صفحة «الإهداء» بأحدها؛ فكان احتفاءً كريمًا من كريم، ومن يعرف إبراهيم بن سليمان الشمسان فلن يعجب حين يجد اكتمال علمه بخُلقه ونبله وعطائه وطيبته، ولم يقف هنا بل سعى للقاء والده حيث يقيم في عنيزة تقديرًا ووصلًا، وفاته حضور لقاء «نحويين» وتخيل ما يمكن أن يجنيه لو أسعفه وقته بالاستماع إليهما.
(3)
** وهذا الملف يثبت أن أستاذنا الشمسان ذو شعبية كبيرة بين عارفيه شخصًا ونصًا، ولو لم نوقف استقبال المقالات حوله لاحتجنا إلى أضعاف هذه الصفحات، ومن تجربته فهناك من أعلنَّا مرارًا عن عزمنا على إعداد ملفاتٍ عنهم وما نزال ننتظر من يكتبون، كما من نهجه أنه لا يتدخل في توجيه الملفات أو الحفز لها أوحتى مخاطبة المثقفين حولها ليدعها تسير بذاتيتها ومحرريها لا بعلاقاته وتوجهاته؛ ليبقى الدرس غير النحوي هنا: المرءُ بتعامله فوق علمه ولا عزاء لمن لم يعِه.
(4)
** الشمس ضياء و«الشمسان» وفاء ونقاء.