إن الكتابة عن شخصية علمية - وهبت نفسها للعلم، و دأبت أبدا تبحث في بحوره على مدى عقود من الزمن - يعتريها الكثير من الإيجاز المخل، حيث إن قامة علمية كأبي أوس لا يكفيها مقالة تنسج، وحوار عابر، لرصد أعماله ومشاركاته، لكن يمكن الحديث عن أهم الدوائر الكبرى التي تقلبت فيها حياته العلمية، وأثره في الدرس النحوي المعاصر، ومن أبرزها:
أولا: الأبوّة العلمية:
هذه الناحية الوجدانية رأيتها في أبي أوس في مظاهر متعددة، وشواهد كثيرة، فقد التقيته عند بعض طلبته الذين أَشرف عليهم، وفي بعض جلساته داخل الجامعات وخارجها، حيث ترى الأب المفتخر بأبنائه وما وصلوا إليه في دراساتهم، فتجده يستمع إلى حواراتهم استماع التلميذ لشيخه، ويمنحهم مساحات من الاختلاف معه، واختلاف الرؤية بينه وبينهم، فلم يكن أبا وظيفته الإلقاء وعليهم الاستماع، بل كان البناء والمواصلة المعرفية هي الحبل المتين الذي يؤصله في نفوس تلاميذه. وسأضرب نموذجين على هذه الأبوة: أحدهما: أن أبا أوس لا يجد غضاضة في أن يقدم أحد تلاميذه لواحد من كتبه، بل يطلب منه ذلك، كما في كتاب (من شجون اللغة). وثانيهما: اتصاله ببعض الطلاب؛ للتهنئة على جودة رسائلهم العلمية قبل مناقشتها. وقد وقفت على شواهد من ذلك.
ثانيا: التصانيف المتتابعة:
لم تقف عجلة التأليف عند أبي أوس في رسالتيه الماجستير والدكتوراه، أو بحوث الترقية لدرجتي أستاذ مشارك أو أستاذ، كعادة بعض أساتذة الجامعات حيث يجف القلم عند آخر بحث نسجه في آخر ترقياته، ولكون العلم مُدارسةً يموت بالتوقف، ويتناقص بعدم التعاهد له، فقد كان قلم أبي أوس نبعًا لا ينضب، له جداول شقت طرقها في مسارات علمية رصينة، متكئة على إرث علمي، اختزنته ذاكرته، وتقلب فيه فكره، وأجاد العقل في طرحه ونظمه.
ثالثًا: المشاركات الدائمة:
لقد أصبحت اللغة في قضاياها ومشكلاتها، جزءا من فكر أبي أوس وروحه، بل وشاغلة عقله، ولهذا تجد اسمه منقوشًا في صحيفة البرامج لكل محفل لغوي داخلي أوخارجي، حيث المؤتمرات والندوات، ملقيًا ومحاورًا وناقدًا ومضيفًا، ولم تكن المشاركة يومًا مكررة، أو لذات المشاركة، فالفكرة هي التي تقوده، والتفكير هو الذي يطرز به كتاباته، والإضافة الجادة هي المآل الذي يرجوه والمبتغى الذي يطلبه.
رابعًا: القراءة والمتابعة:
إن شغف أبي أوس بالقراءة ومتابعة كل جديد يخص محيطه اللغوي جعلته متابعًا لمطبوعات تخصصه، وملتقياته، ولهذا فإن قلمه تراه حاضرًا في التعريف بأي كتاب ذي قيمة في عموده الصحفي، ملخصًا أهم القضايا التي تناولها الكتاب، وكذا في كل ملتقى أو مؤتمر يحضره فإن مشاعره التي أسرته، والمشاركات التي ألقيت فيه، يخصها بمقال أو أكثر؛ رغبة في إبراز هذه الاجتماعات العلمية، ولافتا إلى كل جديد حادث في مجال اللغة بأنماطها.
وأخيرًا، هنيئا لجامعة يشع علمه فيها، ولطلاب نهلوا من علمه تلقيًا وإشرافًا ومناقشة، ولملتقيات ومؤتمرات أضفى عليها من فكره وخبراته.
** **
أ.د.علي بن إبراهيم السعود - أستاذ النحو والصرف بقسم اللغة العربية وآدابها بكلية اللغة العربية والدراسات الاجتماعية بجامعة القصيم