قال ابن خلكان: «كان أعلم الناس بالقرآن الكريم والعربية والشعر، وهو في النحو في الطبقة الرابعة من علي بن أبي طالب».
[وفيات الأعيان 3/466].
اشتُهر بالفصاحة، والصدق، والثقة، وسعة العلم، والزهد، والعبادة، وكان من أشراف العرب، مدحه الفرزدقُ وغيرُه، وورد أنَّه كان يختم القرآن في كلِّ ثلاث.
واختلف في اسمه لقلة ما كان الناس ينادونه به لهيبته وجلالة قدره فغلب عليه لقبه.
وصديقنا النحوي اللوذعي البارع أبو أوس عرفته قبل وفودي إلى المملكة العربية السعودية من خلال كتابه وكتاباته فلما لقيته كَذَّب الخبرَ الخُبْر.
كنت أراه أيام كان قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة الملك سعود يعج بفطاحل جيل من الأساتذة تركوا بصماتهم بعلمهم وأخلاقهم وحبهم لبلدهم وحكومتهم، وإخلاصهم في خدمة العلم واحترامه، كنت أراه، وهو يعبر الممر المؤدي إلى مكتبه بتؤدة فلا أعرف إلا أنه أبو أوس الشمسان من أسرة كريمة، ومحتد أصيل، يلقي تحيته فتشعر أنها مشحونة ودا وصدقا، وتستمع إلى تعاليقه ومحاضراته فتجدها تنضح تواضعا وعلما، أبو أوس لا يعرف سوء الظن إلى نفسه سبيلا، يفترض حسن النية ويتعامل من هذا المنطلق، يغضب للحق، ويكره التملق والكذب.
ولو رأيت تعامله مع طلابه لشهدت عجبًا، يحنو حتى كأنه أب رحوم، ويشتد للعلم والجد، كيف له وهو يُسمي نفسه «المعلم» في إعلاناته وأحاديثه.
وليس ما ذكرناه بدعا في حياة أبي أوس بل كان هذا ديدنه طالبا إذ يقول أستاذه الأستاذ الدكتور محمود فهمي حجازي في تقديمه لطبعة رسالته في الماجستير (الجملة الشرطية عند النحاة العرب، 1401هـ/1983م، ص9): «لقد عرفت صاحب هذا الكتاب عند بداية دراسته اللغوية العليا في كلية الآداب بجامعة القاهرة، فكان مزودا بخير ما يعرفه المتخرجون الجادون في قسم اللغة العربية بجامعة الرياض (الملك سعود).
وسار الأستاذ إبراهيم سليمان الرشيد الشمسان في درب العلم لا يعرف الملل ويسعد بالتدقيق وراء المصطلح النحوي، وبالبحث في الفكرة الجزئية هادفا إلى تجاوز هذا كله إلى الرؤية الشاملة لتراثنا وإلى معرفة نحو العربية في عمق وموضوعية».
إن هذا النص يختصر مسيرة أبي أوس الذي أثرى المكتبة اللغوية العربية بدراسات نحت نحو الصرامة العلمية والأسلوب الماتع والمصطلح المضبوط.
وإذا أعملت النظر في كتبه التعليمية وجدت سلاسة في العرض ووضوحا في الفكرة ودقة في المصطلح.
ليس من السهل تتبع القضايا النحوية المتفرقة في كتب النحو؛ لأن ذلك يحتاج في المقام الأول إلى معرفة المصادر والمراجع وأماكن معالجة القضايا ثم اختيار منهج معين لسلكها في عقد يتلقاه الباحثون والطلاب بيسر وسهولة، وهذا ما فعله أبو أوس في دراساته التي تناول فيها بعض تلك القضايا، مثل: قضايا التعدي واللزوم في الدرس النحوي (1407هـ) حيث يقول: «وربما باشر النحويون درس القضية في فصول خصصت للتعدي واللزوم-على نحو ما فعل سيبويه-أو عرضوا لها في درس الفعل أو درس المفعول به.
على أن جملة القضايا المتصلة بالتعدي واللزوم نجدها مفرقة في تضاعيف المطولات النحوية.ويحاول هذا الكتب-ما أمكننا-جمع هذه القضايا في حيز واحد والاجتهاد في تصنيفها.
ولهذا الصنيع أهمية في نظرنا؛ وهي مناقشة بعض القضايا والخلوص فيها إلى رأي» إن الهم المنهجي والتعليمي التربوي كان ديدن أبي أوس، وإن مسألة التوفيق بين منهج النحويين وطريقة معالجتهم القضايا وبين الهم التعليمي لدى أبي أوس ينبع من عقلية لغوية بامتياز، واهتمامه بالتعليم يبدو من خلال كتبه التعليمية التي قرب فيها المعضل، وجمع شتات المتفرق، ووفق فيها بين ما يبدو أنه متضاد.
إن أبا أوس ثروة لغوية وأخلاقية، ومنجم خبرة ينبغي أن يُستفاد منه في التنظير للنحو العربي لنقله من الهجر على ألسنة الطلاب والأساتذة إلى الاستئناس والقياس.
ولا تغيب الميول الأدبية عن أبي أوس فنجده يعالج جوانب من الشعر والأمثال واللغة في مسقط رأسه المذنب (الشعر المعجب في أدبي المذنب)، (من الأمثال والكنايات في المذنب)، (معاني بعض الأماكن في محافظة المذنب).
وعندما باشر أبو أوس كتابة زاويته في صحيفة الجزيرة وجد المتابعون فيها مادة علمية جادة تعالج موضوعات دقيقة وتعرض كتبا مهمة بأسلوب واضح يتسلسل منطقيا من العرض إلى الحكم والتقويم.
لأبي أوس مشاركات معجمية وحوارات علمية وأفكار تنظيرية احتوتها بحوث كتبها بصفاء ذهن ووضوح فكرة فجاءت مؤدية الغرض الذي أنشئت من أجله.
ولا أود أن يفوتني الجانب الإنساني في شخصية أبي أوس وهو جانب ينبع من إحساسه العميق بالآخرين واحترامهم، وتجلى ذلك في تعاملاته مع زملائه واحترامه لأساتذته في كل المراحل وتسقط أخبار من تركوا في شخصيته آثارا لم ينسها ولم يتنكر لها، فكتابه عن الجملة الشرطية (الماجستير) مهدى لأستاذه من السودان الشقيق عبد القادر محمد محمد علي جزاء ما ثقفه من علمه وأدبه، وله معه قصة يرويها زملاؤه رمزا للوفاء قولاً وفعلاً.
{لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ} (92) سورة آل عمران، ما زال أبو أوس مد الله في عمره يقطع الممر أمام مكتبي بصحة واتزان نرجو من الله أن يمنحه الصحة والعافية، وإذا استعرضت ما على باب مكتبه من إعلانات للطلبة أو راجعت موقعه الإلكتروني اكتشفت العقلية المنظمة وحب الفائدة لطلابه وزملائه، وإذا استفتاه أحد من طلابه أو زملائه بادر إلى القول بما يعرف بوضوح فكر وعقلية تعليمية نادرة.
رد من ترجموا لأبي عمرو بن العلاء الخلاف في اسمه إلى أن هيبته وفضله كانت تمنع الناس من مناداته باسمه، بل بكنيته، حتى حَدث الْأَصْمَعِي قَالَ: أَبُو عَمْرو بن الْعَلَاء اسْمه أَبُو عَمْرو لَا اسْم لَهُ غَيره.
وأبو أوس بقياسيته ومنهجيته ووقاره يذكرني بما روي في سيرة أبي عمرو رحمه الله.
بارك الله لأبي أوس في علمه وصحته وأسرته وأهله ومد الله في عمره لخدمة لغة القرآن، ولرعاية طلابه والله ولي التوفيق.
** **
- د. محمد خير البقاعي