ليس من السهل على الطالب أن يكتب في أستاذه وهو يقطع يقينًا باطلاع أستاذه على ما سيكتب، ولعل هذه الحالة من تلك الحالات التي يكون البيان فيها عصيًّا على صاحبه فتحجب الألفاظ عنه فلا يستطيع الوصول إليها ليعبر عما في نفسه. إن العلاقة بيني وبين أستاذي الأستاذ الدكتور: أبي أوس إبراهيم الشمسان علاقة قُدمى، بدأت مع بدايات التسجيل في برنامج ماجستير النحو واللغة في قسم اللغة العربية بكلية الآداب بجامعة الملك سعود، كانت البدايات في تلك المحاضرات العلمية التي كان يمتعنا بها أستاذنا أبو أوس، ثم توثقت عرى تلك الصلة في مرحلة الدكتوراه، حيث تكشف لي المكانة العلمية التي يتبوؤها هذا العالم الجليل، من حيث المنهج العلمي الأصيل الذي ترى فيه امتدادًا أصيلًا لمتقدمي النحاة، وتطورًا ذكيًا للأسس المعرفية، وتغلغلًا ناقدًا إلى أسرار النحو والصرف وأصول اللغة. لم أتردد في أن ألبي رغبتي في الكتابة عن أستاذي أبي أوس، لكني وجدت قلمي يقف حائرًا أمام هذا الطود الشامخ في ميدانه، الكريم في أخلاقه وتعامله. فتردد قلمي في الكتابة، تزاحمه الأفكار والمواقف، حتى كاد يمتنع عنها.
إن الحديث عن أستاذي أبي أوس حديثٌ ذو شجون، فالأصالة سمةٌ بارزة في أسلوبه، والأمانة العلمية منهج يتميز به، رسم لنا من خلالها – طلاب الدراسات العليا – نموذجًا من نماذج العالِم في محاضراته المترعة بالدقة، المشبعة بالأمانة العلمية، التي استودعها الله حملة العلم والمعرفة.
والمواقف مع أستاذي كثيرة، رسم لنا من خلالها وبأسلوب عملي منهج طالب العالم وصفاته، أمانة علمية، واتساع معرفي، وخلق دمث، ولا مجال في هذه الأسطر لتعداد تلك المواقف، لكني سأذكر موقفًا كان لنا – طلاب الدراسات العليا – الموقف العملي على الأمانة العلمية التي يجب أن يتحلى بها الباحث.
ما زلت أذكر قصة تلك الإحالة العلمية التي أشار إليها أستاذنا في بحثه في: أقوال العلماء في صرف (أشياء)، التي حفظ فيها أستاذنا حق زميلنا الأستاذ: عبدالعزيز العمران حين نبهه إلى سبق محمود البشبيشي العلمي في القول بالعلة الصوتية في صرف (أشياء)، فحفظ أستاذنا لزميلنا حقه العلمي بأسلوب يرسم المنهج العملي لطالب العلم.
وصفوة القول، إنّ أسلوب أبي أوس هو أسلوبه وحده؛ لأنه صورة صادقة لنفسه، وتعبير واضح وجريء عن فكره ومنهجه، وهو ثمرة معرفة واسعة بالتراث اللغوي، وإدراك دقيق وعميق لروح اللغة، وخبرة بأسرار لغة العرب، وعلمائها ومفكريها.
لقد استطاع أستاذي أبو أوس أن يملك قلوب طلابه بخلقه وأخلاقه، إلى جانب علمه ومعرفته، فهو بحق من الأساتذة الذين تبقى في الذاكرة أخبارهم، ويلهج اللسان لهم بالدعاء. حفظ الله أستاذنا وبارك في علمه وعمله.
** **
د. سعد بن عبدالله المحمود - أستاذ النحو المساعد في قسم اللغة العربية - كلية التربية بالزلفي