عرفت الأستاذ الدكتور أبا أوس إبراهيم الشمسان منذ انضمامي إلى قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة الملك سعود قبل حوالي ثلاثة عقود من الزمن، أو تزيد قليلا. كان يومها قد عاد حديثا من بعثته الدراسية إلى جامعة القاهرة، حيث حصل على شهادة الدكتوراه في الآداب، وانخرط مباشرة في سلك التدريس ليصبح واحدا من أعمدة القسم وأساتذته المبرّزين في النحو والصرف وما يتصل بهما من قضايا اللغة العربية. ولاحظت لأول وهلة ما يحظى به أبو أوس من احترام وتقدير بين زملائه وطلابه، وحزم وانضباط في دروسه، واستعداد دائم لخدمة العلم وإفادة أبنائه من الطلبة والطالبات. عرفت أبا أوس محدِّثا لبقا، يحسن الإنصات، فإذا تحدث كان مقتصدا في قوله، دقيقا مركزا في آرائه، يوصل سامعه إلى مبتغاه من أيسر السبل وأقصرها من دون إسفاف ولا إسهاب.
هو من النحاة القلائل الذين عرفتهم متمكنين من الحاسوب وتقنياته، ومواقع التواصل ومنتدياته، لا أستبعد أن تكون دروسه في الصرف والنحو من أوائل دروس اللغة العربية التي عرفت طريقها إلى الحاسوب والسبورة الذكية أَمدًا ليس بالقصير قبل أن تدهمنا معايير الجودة ومتطلبات التعليم الإلكتروني والاعتماد الأكاديمي.
شرفت به عضوا في مناقشات علمية لرسائل بعض طلابي من الدراسات العليا، فاستفدت كثيرا - تماما كطلابي الذين كان يناقشهم- من علمه الغزير، وأُعجبت بما كان يصدر عنه من آراء دقيقة ثاقبة يعرضها برصانة هادئة، واعتدال في الموقف، وعمق في التناول. وشرفت كذلك بمناقشة رسائل لبعض طلابه، فبهرتني بصمته الواضحة وأثره الظاهر في طلابه وما نجح في نقله إليهم من العمق والصرامة المنهجية والتأصيل العلمي.
وقرأت لأبي أوس، فوجدت كتابه عن (الجملة الشرطية عند النحاة العرب)، مثلا، وهو من بواكير إنتاجه العلمي، من خير الأعمال التي تناولت هذا الموضوع بعمق يدل على إلمام باهر بالمصادر وأصالة علمية فريدة، مع براعة فائقة في الموازنة بين الآراء، وقدرة عالية على تقصي المسائل، حتى عاد الكتاب في رأيي مرجعا أساسيا لكل من يريد دراسة الشرط وأدواته، والجملة الشرطية في العربية وعناصرها والقضايا السياقية التي تتصل بها. وقرأت كتابه عن (الفعل في القرآن الكريم: تعديته ولزومه)، فوجدته لا يقلّ عن سابقه عمقا في التناول، واستقصاءً للمسائل، بحيث لم يترك شاردة ولا واردة تتصل بالموضوع إلا أتى على ذكرها وناقشها واستعرض مختلف الآراء التي دارت في شأنها.
وأما كتابه (أسماء الناس في المملكة العربية السعودية)، فهو دراسة طريفة لظاهرة لغوية اجتماعية هي نظام التسمية وأسماء الناس في المملكة، بذل فيه الباحث الجليل جهدا بالغا لرصد أسماء الناس المنتشرة في المجتمع السعودي، والوقوف على عوامل اختيارها ومعانيها، وتحليل أشكال رسمها وبنياتها الصوتية والتصريفية، والثابت منها والمتغير. ولذلك يُعدّ هذا العمل بحق من لبنات الدرس اللغوي الاجتماعي والأنثروبولوجي في العالم العربي.
وقرأت كتابه الآخر في (حروف الجر ودلالاتها وعلاقاتها)، فوجدته على القدر نفسه من العمق والأصالة وسعة الاطلاع والتمكن من المصادر. وقرأت كتابه (مسائل لغوية) الذي جمع فيه مداخلاته اللغوية التي توالت على صفحات صحيفة «الجزيرة»، فوجدت في تلك المداخلات الطريفة المتنوعة عالما واسع الاطلاع، هاجسه اللغة العربية بظواهرها الصوتية والإملائية والصرفية والنحوية والمعجمية، وما تتسم به من دقائق تخفى على كثير من أهل الاختصاص، يعرضها بأسلوب سهل سائغ قريب من القارئ العام والمتخصص. والذي يفاجئك في هذا الكتاب أنه، وإن كان في الأصل مجموعة من المداخلات اللغوية الصحفية، فلا تظهر فيه أي من سمات الارتجال أو العجلة التي تتسم بها كثير من الكتابات الصحفية؛ بل إن ما فيه من آراء جاءت موثقة توثيقا علميا دقيقا يدل على إلمام بالتخصص وملازمة لمصادر التراث، ويدل كذلك على مدى الجدية التي يتعامل بها مع كتاباته والاحترام البالغ لعلمه وقرّائه.
هذه الأعمال العلمية وغيرها دليل على ما يتصف به أستاذنا أبو أوس من علم غزير وانشغال بالبحث، ورغبة في مصاحبة الكتب وصحبة المشتغلين بالعلم، ولعل ذلك ما جعله يزهد في المناصب والألقاب، وهو أهل لها، لكنه الجدّ والتواضع الجمّ وحب العلم. بارك الله لأبي أوس في علمه ووقته وصحته وعافيته وأهله وولده.
** **
- د. محمد لطفي الزليطني