علي الخزيم
هو طفل لأسرة من شرق آسيا، يعيش بإحدى محافظات الوسط مع والدَيه اللذين يعملان لأسرة محافظة، اجتهد جدهم الصالح الورع -كما يعرض المقطع المصور- للاعتناء بالصغير تربية وتعليمًا عربيًّا إسلاميًّا؛ فأجاد الصغير كلام العرب بجانب كلام قومه، وظهر أنه يعتز باللغة المكتسبة، ويدين بالعرفان لمن علَّمه واحتواه حتى أنه يلبس الثياب السعودية، ويعتمر الغترة والعقال العربي، كما يتحدث اللهجة العامية النجدية.
الكل يسعد ويفتخر كلما سمع أو رأى من يتعلم لغته أو يدين بدينه، ويعجب بعاداته وتقاليده.. ولأن الأيام دُوَل بين الناس منذ الأزل فقد كان غير العرب حينًا من الدهر يفتخرون بتعليم أبنائهم (كليمات) عربية للتحلي بنطقها بين القوم، وكان المتحدثون بالعربية ممن تضمهم المنتديات والمجالس هناك تشرئب لهم الأعناق؛ لترى من يكون المتحدث على اعتبار أنه نال حظًّا من العلم والثقافة لدرجة أنه يتحدث بالعربية. ولأن الأحوال لا تدوم على نسق ومستوى معين على مر العصور للأفراد والجماعات فإن الحاصل الآن هو عكس ما كان للعرب من شرف النهل من لغتهم، وتحلي الأمم بها كثقافة وعنوان للمعرفة.
أدناه سأدوّن بعضًا من المواقف والمشاهدات لهنيهات من التسلية المفيدة:
ـ كنت وعدد من الإعلاميين نتجول بمدينة أوروبية، ونتحدث فيما بيننا بلغة بلدنا، وإذا برجل وقور، عمره -في تقديري- تجاوز الستين، يبادرنا بالحديث مرحبًا، وقال بعربية مكسرة: نحن من بلادكم. جاء أجدادي إلى هنا للتجارة، ونشروا الإسلام والمحبة بين أصحابهم ومحيطهم الاجتماعي. وقال إن رغبتم فإني أدعوكم إلى آثار ونماذج من تصاميم منازلنا كما هي عندكم بالحجاز وبعض أنحاء بلاد العرب.
ـ الذين يجتهدون بتلقين أطفالهم كلمات وعبارات بلغات أوروبية قد تكون مفيدة لهم في حاضرهم ومستقبلهم، غير أن المبالغة والمباهاة بذلك بين الجلساء قد لا تكون محمودة. فلو كانت سلسة متدرجة لكان أفضل وأعمق رسوخًا لدى الطفل. ثم الأجدر أن يقترن هذا التلقين بشيء من المهارات اللغوية العربية الفصحى، وتعويدهم على الاستماع ومتابعة القنوات المخصصة للأطفال الناطقة بالعربية الفصحى، وسيرون العجب من ألسنة أطفالهم. وهذا مؤكد مثبت؛ فما زلت معجبًا بذلك الطفل الذي كان برفقة والده ونحن على سفرة طعام، فناوله والده كأس الماء، فقال: أريد عصيرًا أيضًا! فلما لاحظ والده إعجابي بمقولته شرح لي أنه بقدر ما يعلمه جُملاً أجنبية إلا أنه لا يهمل إكسابه مهارات لغوية عربية فصحى. وهذا توازن جيد، ومطلب عصري حميد.
ـ جمعتني ظروف المهنة بزميل إعلامي كاتب، وبعد نحو سنة بمكتب واحد عرفت أنه يجيد أكثر من لغة أوروبية، بل يكتب مقالات بها في صحف، تصدر بتلك اللغات. مازحته بسؤاله لماذا لم يكن (يتميلح) مثل بعض المستعرضين بما يحفظون من لغات الغرب؟! قال: قبل اكتساب اللغات كنتُ ممن يستهجنون تصرفات أولئك المبهورين بما لديهم من لغات وإن كانت ضعيفة، وحينما أجدت اللغات كنت قد تعلمت من أخطائهم فأدبتني نفسي عن سفاسف الأمور!