سلمان بن محمد العُمري
التخطيط الاستراتيجي فكر واع يتم من خلاله التعامل مع متغيرات الواقع والمستقبل سعياً إلى صياغة منظومة متكاملة تحتوي على كافة الأنشطة، ومجالات العمل التي تسعى الدول والمؤسسات والمجتمعات إلى تحقيقها في المدة القصيرة أو الطويلة.
ويفرض الواقع اليوم أن تكون جميع الأعمال التي نقوم بها في داخل المملكة وخارجها مبنية على خطط واستراتيجيات وليست اجتهادات فردية أو ردود أفعال، وفي كافة المجالات ومن بينها العمل الإسلامي في الخارج الذي يحتاج منا كما هو العمل في أي موقع إلى أن نعمل على بصيرة وهدى، ونعرف ما الذي نريد أن نقوم به، ومتى نقوم، ومن سيقوم على تنفيذه؛ لاسيما وأن هذا العمل لا يرتبط بنا لوحدنا بل يرتبط بالبلدان التي نريد أن يصل إليها عملنا الإسلامي في الخارج.
والعمل الإسلامي في الخارج في الوقت الراهن يتعاظم دوره ويقوى في ظل المتغيرات التي أصبح تأثيرها المباشر على المجتمعات، وهذا يستوجب أن يتم تبني منهج علمي في الأداء والعمل المراد تنفيذه، تخطيطاً وقياساً وتنفيذاً ومتابعة ورقابة، وأن يكون لدينا خارطة طريق للعمل الإسلامي في الخارج. فما تم قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر كان اجتهادات حالف بعضها النجاح، وتسبب بعضها في وضعنا في مواقف محرجة نتيجة لاجتهادات فردية بل إن العمل الإسلامي كان فيه هدر للمال والجهد والوقت نتيجة أن الأعمال كانت غير مدروسة.
والعمل الإسلامي في الخارج ليس كما يعتقد البعض أنه منوط بجهة واحدة دونما غيرها، فالعمل الإسلامي منظومة متكاملة تشترك فيه عدد من الجهات وإن اقتصر التنفيذ على جهات محددة، ولذا فإن من المهم أن تقوم جميع الجهات ذات العلاقة بالمشاركة في رسم خارطة الطريق وإعداد الرؤى المستقبلية والخطة الاستراتيجية ورسم وتحديد الأهداف المستقبلية التي نريد تحقيقها. ولذا فإن الخطة أو الخارطة يجب أن تبدأ برؤية vision مشتركة وتبدأ بتحديد الأهداف وخطوات وآليات العمل والجهات المنوط بها التنفيذ، ووضع مقاييس للأداء مع المتابعة وتقويم النتائج بصفة مستمرة مع توفير قواعد بيانات ومراكز معلومات، وأن تكون الأهداف واقعية وعلى مراحل، وأن يتحقق في جميع مراحل العمل تحقيق التكافل وليس الفردية فالجميع في منظومة العمل يجب أن يعملوا لإعلاء دين الله عز وجل، وتأكيد ريادة المملكة العربية السعودية في مجال العمل الإسلامي والمساهمة في تحقيق ما يصبوا له المسلمون من طموحات وآمال في مجالات العمل الإسلامي وهو ما سعى ويسعى إليه ولاة الأمر في هذا البلد المبارك من تأكيدهم على هوية بلادنا الإسلامية وريادتها ومكانتها في نفوس المسلمين فهي ليست غيرها من البلدان وإن حاول البعض المنافسة أو النيل من هذه المكانة فلن يستطيع فالمملكة فيها قبلة المسلمين ومهد الإسلام، وكانت ولا زالت وستستمر بحول الله وقوته اليد البيضاء، واليد العلياء المعطاء وشواهد هذا ما قدمته المملكة طوال عقود من بناء للمساجد، والمراكز الإسلامية، والجامعات، والمدارس، والمعاهد، وطباعة المصحف الشريف وتراجم معانيه بعشرات اللغات، وأخيراً وليس آخراً العناية بالسنة بإنشاء مجمع لهذا الغرض، وقبل هذا العناية بالحرمين الشريفين من مشروعات جبارة والرعاية الكريمة لقاصديهما.
إن أي خطة أو خارطة طريق متقنة ومحكمة للعمل الإسلامي في الخارج سيتوافر لها عناصر النجاح بإذن الله لعدة أسباب أولاً أن الله سبحانه وتعالى سيعين ويسدد من يقوم بهذه الأعمال وهذه سنة ثابتة وإيمان ويقين بالله عز وجل، والأمر الآخر من التفاؤل بالنجاح والخبرات التراكمية لهذه البلاد حكومة وشعباً في خدمة العمل الإسلامي عبر الجهات الرسمية أو المتطوعين وتوافر أدوات النجاح.
إننا بحاجة كبيرة لاستشراف المستقبل والتطلع إليه برسم رؤية جديدة للعمل الإسلامي في الخارج تنطلق من ثوابتنا الدينية وحاجة المجتمعات، ومراعاة المتغيرات العالمية، ووجود منافسين في هذا المجال لم يأتوا للبناء وخدمة العالم الإسلامي والمسلمين بل للإفساد على الناس في دينهم ودنياهم باسم الإسلام بعقيدة محرفة وأعمال منافية لآداب الإسلام وتعاليمه، والعمل المرسوم والمخطط مع العناية الكبيرة التي يجدها العمل الإسلامي من ولاة الأمر - حفظهم الله - مع مقومات النجاح وعوامل القوة التي أشرت إليها آنفاً تجعلنا متفائلين ومتشوقين لخطط علمية وعملية قادمة ترسم لنا الطريق لتحقيق النجاح بأقل جهد وأقصر وقت وبلا تكاليف.
وفي الختام أحببت التذكير بأنه كان هناك استراتيجية للعمل الإسلامي في الخارج قام بها المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية منذ عشر سنوات شارك بها ما يزيد على تسعين خبيراً وأكثر من 20 جهة حكومية ولكن لا نعلم ما مصير هذه الدراسة والاستراتيجية التي بذل بها الكثير..!!